جيمس بيكر: أنا رجل عمل لا رجل تأملات
عندما عين الرئيس الاميركي جورج بوش الابن وزير الخارجية الاميركى الاسبق جيمس بيكر، مبعوثا لاميركا بعد غزو العراق، للقيام بجولة في الدول الغنية (اوروبا واليابان وروسيا وكندا)، لاعفاء ديونها على العراق، كان هذا تحديا صعبا، فالكثير من هذه الدول عارضت الحرب على العراق، ولم يكن من السهل ان توافق على المساهمة في تكاليف الحرب بإعفاء العراق من ديونه، لكن هذا ما حدث، فقد أقنع بيكر الدول الغنية بدفع 50 مليار دولار، بشكل مبدئي. ساعتها قال الكثيرون، ان بيكر الذي ظل حاضرا بقوة في السياسة الخارجية الاميركية لاكثر من 3 عقود، اثبت مرة اخرى انه رجل «المهمات الصعبة». والان يستعد بيكر للعودة مجددا للمشهد العراقي، لكن هذه المهمة ربما ستكون اصعب من المهمات التي سبقتها. فقد اختاره بوش رئيسا لـ«مجموعة دراسة العراق»، حسب مبادرة من بعض اعضاء الكونغرس، الذين يأملون في انه ربما سيقدر على اخراج اميركا من «ورطة العراق». ووافق بيكر بالرغم من صعوبة المهمة، فهذا السياسي العتيق، الذي يبلغ من العمر 76 عاما، لديه سمة لا تتوفر الا في خامة السياسيين المحنكين، وهي قدرته على «الوساطة والاقناع»، مهما كان تعقيد القضية. ولبيكر أسلوبه الخاص، فهو قال يوما «لا تترك للطرف الآخر ان يحدد موضوع النقاش»، وقال «تحقق دبلوماسية الانتظار، احيانا، نتائج افضل، على شرط ان ينتهي الانتظار في الوقت المناسب»، كما قال «التصرف انواع: هادئ، وخاص، وعلني، واحيانا صراخ». ويلخص هذا القاعدة الذهبية لبيكر في التفاوض بمعنى من المعاني وهي: أولا البدء من موقع قوة، وثانيا عدم التسرع لتحقيق النجاح، واخيرا تنويع اساليب الاقناع. هذا ليس مفاجئا من شخص كان ديمقراطيا وصار جمهوريا، وظل حاملا لافضل ما في الحزبين، فهو استراتيجي لبق هادئ وعميق بحكم ثقافته، كما انه بارد ومنظم تعلم مبكرا فن العمل لساعات طويلة، الا انه ليس شعبويا، ولا يلجأ الى القضايا الشعبية، كي ينال تأييد الشارع، فهو جنتلمان السياسة الاميركية. ولد جيمس بيكر الثالث في هيوستن، بتكساس، في سنة 1930، واختار له والده، جيمس بيكر الثاني، مدارس راقية ليتعلم فيها. واثر هذا على شخصيته، وجعله ينتمى الى «الارستقراطيين التكساسيين» (الذين تعلموا في مدارس راقية، ثم اصبحوا محامين، ثم تجار بترول، ثم سياسيين، ثم جاءوا الى واشنطن، رؤساء ووزراء، مثل الرئيسين بوش الاب وبوش الابن). بعد ذلك درس بيكر في «ثانوية هيل» في هيوستن، التي درس فيها ابناء الاغنياء. ودرس في جامعة «برنستون» في ولاية نيوجيرسي البعيدة، التي لم يذهب اليها عدد كبير من ابناء تكساس. وانتخب في جامعة «برنستون» عضوا في «نادي آيفي». وأثبتت هذا الانتخاب مؤهلاته القيادية وهو في سن مبكرة، كما اثبتت قدرته على القاء الخطب، والاشتراك في النقاش، وادارة الاجتماعات. وتأثر بالسمعة الارستقراطية للنادي لأنه كان واحدا من عدد قليل من ابناء ولايات الجنوب الاميركي الذين يدخلون النادي.
قضي بيكر بعد الجامعة سنتين في الخدمة العسكرية، مع قوات البحرية، ووصل الى رتبة ملازم. وساعدته تلك الفترة على تنمية قدراته التنظيمية، والتعود علي العمل مع آخرين، واطاعة واصدار الاوامر. وأضفت التجربة العسكرية على شخصيته برودا لاحظه بعض الذين عملوا او تفاوضوا معه. اما دراسة المحاماة فقد زادت جديته وانتظامه، خاصة عندما عاد الى هيوستن وعمل في مكتب محاماة «اندرو آند كيرث». وكان محاميا صغيرا عندما تعلم «فن العمل لساعات طويلة»، وتعلم الاكتفاء بتقديم اسهامات صغيرة في مرافعات كتبها محامون عمالقة في المكتب. وكان مكتب المحاماة في هيوستن مدخل بيكر الى العمل السياسي. فقد ترشح وفاز، اعتمادا على تجربة جامعة برنستون، بمنصب في لجنة ادارة مكتب المحاماة، ثم ترشح وفاز بمنصب في اتحاد محامي هيوستن، ثم ترشح لمنصب مدع عام لتكساس، ورغم انه لم يفز، فقد فتحت المحاماة امامه ابواب العمل السياسي. لكنه لم يكن من النوع السياسي الشعبي، الذي يصرخ في الجماهير، ويردد الهتافات، بل كان سياسيا استراتيجيا هادئا، يجيد التخطيط والتنظيم.
وكان هذا سر العلاقة القوية بينه وبين الرئيس بوش الاب، الذي استفاد من طاقاته، بينما استفاد هو من شهرة بوش وطموحاته السياسية.
التقى الرجلان اول مرة في سنة 1970، عندما دعاه بوش الى غداء «هامبورغر». وكتب بيكر في كتاب مذكراته، «سياسة الدبلوماسية»، ان بوش وزوجته باربرا شاركاه، في تلك السنة، معاناة مرض زوجته الاولى ماري، عندما اصابها السرطان وتوفيت. وكتب بيكر ان جورج وباربرا كانا آخر صديقين يشاهدان ماري في المستشفى، قبل ان تصيبها غيبوبة لم تعد بعدها الى الحياة.
وكان الاعجاب متبادلا بين بيكر وبوش: في جانب، اعجب بيكر بهدوء بوش وانسانيته واعتداله (ينتمي بوش الى الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري). وفي الجانب الآخر، اعجب بوش باخلاص بيكر وتفانيه في العمل وقدرته على التخطيط والتنظيم. ولم يكن بوش فصيحا مثل بيكر، ولم يكن بيكر مشهورا مثل بوش. فبوش من عائلة شبه ارستقراطية في ولايات الشمال الشرقي، وبيكر جنوبي من تكساس. وكتب بيكر عن بوش، في مذكراته، انه «قدوتي. اتطلع اليه واستعين به، وقت الحاجة، وأعجب بنجاحاته المتوالية، واحترمه وأحبه، ولهذا اخترته عراب ابنتى ماري الصغيرة». (تزوج بيكر سوزان، بعد وفاة ماري، وأنجبا اربعة اطفال، بالاضافة الى اطفال ماري الاربعة). وليس هناك دليل على حجم تأثير كل منهما على الاخر، اقوى من اقناع بوش لبيكر بأن ينتقل من الحزب الديمقراطى الى الحزب الجمهوري. لكن بيكر اشترط انه سيكون جمهوريا معتدلا. واعتبر بيكر انتقاله الى الحزب الجمهوري واحدا من فضائل بوش عليه، وكتب ان بوش «علمني حب السياسة، والتفاني فيها، رغم مشاكلها. وعلمنى ان افضل طريقة لخدمة الوطن هي العمل العام. ومنذ ذلك الوقت خدمت وطني في مناصب عليا، والفضل يعود الى جورج». عمل بيكر، في سنة 1972، مديرا لحملة بوش لدخول مجلس الشيوخ، ليصبح سناتورا مثل والده، بريسكوت بوش. لكن بوش سقط. وانتقل الى واشنطن عندما اختاره الرئيس ريتشارد نيكسون سفيرا في الامم المتحدة، ثم رئيسا للحزب الجمهوري. لكن بيكر اصبح مسؤولا عن تربية اربعة اطفال صغار بعد وفاة زوجته ماري، ولم يكن يقدر على متاعب الحملة الانتخابية. لكنه انتقل الى واشنطن، ايضا، في وظيفة في ادارة نيكسون. وعندما استقال نيكسون بسبب فضيحة ووترغيت، وجاء الرئيس جيرالد فورد، اختار بيكر مساعدا لوزير التجارة.
وبقي بيكر في واشنطن، بعد نهاية ادارة فورد، وعمل في مكتب محاماة خلال ادارة الرئيس جيمى كارتر الديمقراطي. وعاد بيكر الى السياسة سنة 1980، مديرا لحملة بوش في الانتخابات التمهيدية لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري. لكن رونالد ريغان فاز على بوش كمرشح للحزب الجمهورى، واختار بوش نائبا له. وعندما فاز الاثنان ودخلا البيت الابيض، اختارا بيكر للعمل في منصب كبير موظفي البيت الابيض، وهو المنصب الذي كان بمثابة اعادة اكتشاف فضائل بيكر السياسية، ففيه تجسدت عمليا قدراته الكبيرة على التنظيم، وكان هذا مناسبا جدا، فمن المعروف عن ريغان انه من النوع الذي لا يفضل متابعة تفاصيل الموضوعات التى ناقشها او القرارات التى اصدرها. وعندما انتهت ولاية ريغان، عمل بيكر مديرا لحملة بوش الاب، عندما ترشح بوش لرئاسة الجمهورية. وعندما فاز، اختار بيكر وزيرا للخارجية. وبسبب تحاشيه المنافسات والمناورات مع وزراء ومسؤولين كبار في الادارة، ساهم بيكر في استقرار وزارة الخارجية، وصوت العاملون، في ذلك الوقت، لصالحه في استفتاء داخلي. وخلال سنوات عمله تأكد اهتمامه بمنطقة الشرق الاوسط. فقد بدأ اهتمامه بتروليا، وليس سياسيا، عندما كان محاميا في تكساس. وزاد بعد ان جاء الى واشنطن وعمل في وزارة التجارة، وفي رئاسة الحزب الجمهوري ذات الصلة الوثيقة بشركات البترول. غير ان حرب الخليج الثانية بين 1990 و1991 ادخلته في العمق الشرق اوسطي، فقد قاد الجهود الاميركية لاقناع صدام حسين بالانسحاب، ثم قاد جهود بناء تحالف دولي لخوض الحرب. وبعد الحرب واجبار العراق على الانسحاب من الكويت، كان شريكا في جهود وضع منظومة من العقوبات بحق النظام العراقي. غير ان بيئة الشرق الاوسط، كانت مشتعلة بعد الحرب، واستلزم الامر تدخلا اميركيا آخر لتسوية القضية التي استغلها صدام في محاولته لجذب الشارع العربي لصفه، وهي الصراع العربي ـ الاسرائيلي. فدعت الادارة الاميركية الاسرائيليين والعرب الى الجلوس الى مائدة المفاوضات، لاول مرة وجها لوجه (علانية)، من اجل التوصل لتسوية، والتقى مسؤولون من الجانبين في مؤتمر مدريد، في اكتوبر (تشرين الاول) 1991، برعاية بيكر، وكان الوفد الفلسطيني ساعتها جزءا من الوفد الاردنى الى المفاوضات. لكن بيكر، مثل وزراء خارجية اميركيين قبله وبعده، واجه تعنتا اسرائيليا، وخاصة من اسحق شامير، رئيس الوزراء، في ذلك الوقت. وكتب بيكر في كتاب مذكراته ان شامير كان «اصعب سياسي واجهته في حياتي». ووصف ثمانية اجتماعات معه خلال شهر ونصف الشهر لاقناعه بوقف بناء المستوطنات وقبول قرار مجلس الامن رقم 242. ولم يقبل بيكر، وهو «الارستقراطي التكساسي»، تعالي شامير، وديفيد ليفي وزير الخارجية، وارييل شارون وزير الاسكان في ذلك الوقت. لم يقبل تندر ليفي عليه عندما قال له «ليس عندك دكتوراه، لكنك ذكي وكأن عندك دكتوراه». ولم يقبل قول شامير له «طلباتك التي قدمتها لنا أصعب طلبات في تاريخ العالم». واحتقر شارون، وقال انه «آخر شخص أريد أن أقابل»، ووصفه بأنه «عقبة في طريق السلام».
وقد ذهب بيكر، خلال تلك الفترة، الى الكونغرس لحضور جلسة استجواب، وواجه نقدا من انصار اسرائيل في الكونغرس وغضب، ورد بأن الاسرائيليين لا يريدون الاجابة على طلب وقف بناء المستوطنات، وقال «عندما يجهزون اجابتهم، يقدرون على الاتصال بي على تليفون رقم (....)»، وذكر رقم وزارة الخارجية الاميركية. لكن بوش الاب خسر انتخابات التجديد لولاية ثانية، فغادر بيكر المسرح السياسى، وعاد الى المحاماة والاستثمارات البترولية. وانشغل بالمحاماة، وادارة مكتبه، الذي اصبح فيه الآن اكثر من 400 محام، وله فروع في دول خارجية، منها دول خليجية. ونقل بيكر رئاسة المكتب من واشنطن الى هيوستن. وهكذا عاد الي مسقط رأسه بعد ثلاثين سنة في واشنطن. وعنوان المكتب: 1 ميدان شركة شل، هيوستن. ربما يدل هذا على استمرار صلته بشركات البترول.
وهي نقطة يستغلها ضده منتقدوه، فهو انشغل باستثمارات مباشرة، خاصة مع دول خليجية، التي ظلت مدينة له لدوره في طرد القوات العراقية من الكويت. كما انشغل باستثمارات عن طريق مجموعة «كارلايل» (تضم زملاء قدامي، مثل فرانك كارلوتشي، وزير الدفاع السابق، وتجمعه بالرئيس بوش الاب، الذي يقدم استشارات للمجموعة).
واثبت بيكر قدرته على الجمع بين العمل السياسي والبترولي وهوايته المفضلة: الصيد. صاد في ولاية وايومنغ، حيث بني منزلا صيفيا. وصاد في الدول الخليجية، خلال زياراته السياسية والبترولية. وصاد في منغوليا عندما توقف خلال مفاوضات حرجة قبيل حرب الخليج. وصاد في اليمن عندما ذهب لاقناع المسؤولين هناك بعدم معارضة حرب الخليج.
وقد وصفت مجلة «كريمسون»، التي يصدرها طلاب جامعة هارفارد، شخصية بيكر بأنها «فوق غيرها، تفوقت حتى على شخصية بوش عندما كان رئيسه». وقالت «يغيظ بيكر اعداءه، انه لا يتحدث عن نفسه كثيرا». واضافت «سيسجل التاريخ ان بيكر كان ذكيا، ومناكفا هادئا». واشارت الى ان بيكر عنده «عجرفة اميركية واضحة لا يحبها الذين خارج اميركا، ولا يحبها بعض الذين داخل اميركا».
لكن بيكر وصف نفسه، في كتاب مذكراته، وقال «يعرفني الناس بأني رجل عمل، لا رجل تأملات». وأضاف أن «السياسي الناجح، مثل الدبلوماسي الناجح، يقدر قوته التي يعتمد عليها (اذا كان قويا). وعرفت كيف اعتمد على القوة الاميركية، لكني عرفت، ايضا، كيف اربط بين قوتنا ومبادئنا الديمقراطية».
وكتب بيكر أنه لا يتفق مع كارل كلاوسفتس، الاستراتيجي الالماني في القرن التاسع عشر، صاحب القول المشهور «الحرب امتداد للسياسة».« قال بيكر انه يحترم كلاوسفتش، لكنه يؤمن بأن الدبلوماسية امتداد للسياسة»، وان الدبلوماسية يمكن ان تشمل الحرب والسلام.
وقال بيكر ان افضل مثال لنظريته كان اجتماعه الاخير، قبيل حرب الخليج، مع طارق عزيز، وزير خارجية العراق، لاقناعه بالانسحاب من الكويت. لكن عزيز رفض، وكتب بيكر: «تحولت السياسة الى دبلوماسية، لكن فشل الدبلوماسية تحول الى حرب». والمعروف ان بيكر لم يعارض غزو العراق علنا، حتى اليوم. وتخلف، قبيل غزو العراق، عن برنت سكوكروفت، المستشار السابق للرئيس بوش الاب، الذي نشر رأيا في جريدة «واشنطن بوست»، عارض الحرب. وكان واضحا ان سكوكروفت يعبر، بطريقة غير مباشرة، عن معارضة بوش الاب لغزو العراق. لكن، طبعا، لم يعارض الاب علنا، اذا كان حقيقة قد عارض.
ويبدو ان بيكر أيد غزو العراق، لكنه تخوف من النتائج: وقالت جريدة «هيوستن كرونيكل»، ان بيكر «تعلم من حرب الخليج ان غزو العراق وعزل صدام حسين خطران معقدان». وقال بيكر نفسه، في مقابلة مع تلفزيون «بي بي اس»، قبل غزو العراق، «لو كنا غزونا العراق خلال حرب الخليح، كنا لا نزال هناك حتى اليوم، نواجه حرب عصابات». وقال بيكر نفسه، في الشهر الماضي، في ندوة في جامعة برنستون (التي تخرج منها سنة 1952): «لم اؤيد غزو العراق خلال حرب الخليج، بسبب ما نراه الآن في العراق». ولا تعتبر عودة بيكر لازمات الشرق الاوسط من الباب العراقي، عودة بعد انقطاع طويل، فهو كان مكلفا من قبل الأمم المتحدة بحل المشكلة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وهى مهمة لم يحقق فيها نجاحا كبيرا، فهل يحقق في العراق نجاحا تترقبه وتسعى اليه الادارة، لا احد يدرى بعد. لكن الذي لا شك فيه هو ان بيكر سيجد دعما كبيرا من مستشاريه، فمع انه شخصية جادة جدا وهادئة، الا ان هذا لا يعني انه ليس محبوبا. وهو قال مرة بهذا الصدد «لا يجب ان تعرف كيف تلعب التنس لتكون ناجحا في البيت الابيض
عندما عين الرئيس الاميركي جورج بوش الابن وزير الخارجية الاميركى الاسبق جيمس بيكر، مبعوثا لاميركا بعد غزو العراق، للقيام بجولة في الدول الغنية (اوروبا واليابان وروسيا وكندا)، لاعفاء ديونها على العراق، كان هذا تحديا صعبا، فالكثير من هذه الدول عارضت الحرب على العراق، ولم يكن من السهل ان توافق على المساهمة في تكاليف الحرب بإعفاء العراق من ديونه، لكن هذا ما حدث، فقد أقنع بيكر الدول الغنية بدفع 50 مليار دولار، بشكل مبدئي. ساعتها قال الكثيرون، ان بيكر الذي ظل حاضرا بقوة في السياسة الخارجية الاميركية لاكثر من 3 عقود، اثبت مرة اخرى انه رجل «المهمات الصعبة». والان يستعد بيكر للعودة مجددا للمشهد العراقي، لكن هذه المهمة ربما ستكون اصعب من المهمات التي سبقتها. فقد اختاره بوش رئيسا لـ«مجموعة دراسة العراق»، حسب مبادرة من بعض اعضاء الكونغرس، الذين يأملون في انه ربما سيقدر على اخراج اميركا من «ورطة العراق». ووافق بيكر بالرغم من صعوبة المهمة، فهذا السياسي العتيق، الذي يبلغ من العمر 76 عاما، لديه سمة لا تتوفر الا في خامة السياسيين المحنكين، وهي قدرته على «الوساطة والاقناع»، مهما كان تعقيد القضية. ولبيكر أسلوبه الخاص، فهو قال يوما «لا تترك للطرف الآخر ان يحدد موضوع النقاش»، وقال «تحقق دبلوماسية الانتظار، احيانا، نتائج افضل، على شرط ان ينتهي الانتظار في الوقت المناسب»، كما قال «التصرف انواع: هادئ، وخاص، وعلني، واحيانا صراخ». ويلخص هذا القاعدة الذهبية لبيكر في التفاوض بمعنى من المعاني وهي: أولا البدء من موقع قوة، وثانيا عدم التسرع لتحقيق النجاح، واخيرا تنويع اساليب الاقناع. هذا ليس مفاجئا من شخص كان ديمقراطيا وصار جمهوريا، وظل حاملا لافضل ما في الحزبين، فهو استراتيجي لبق هادئ وعميق بحكم ثقافته، كما انه بارد ومنظم تعلم مبكرا فن العمل لساعات طويلة، الا انه ليس شعبويا، ولا يلجأ الى القضايا الشعبية، كي ينال تأييد الشارع، فهو جنتلمان السياسة الاميركية. ولد جيمس بيكر الثالث في هيوستن، بتكساس، في سنة 1930، واختار له والده، جيمس بيكر الثاني، مدارس راقية ليتعلم فيها. واثر هذا على شخصيته، وجعله ينتمى الى «الارستقراطيين التكساسيين» (الذين تعلموا في مدارس راقية، ثم اصبحوا محامين، ثم تجار بترول، ثم سياسيين، ثم جاءوا الى واشنطن، رؤساء ووزراء، مثل الرئيسين بوش الاب وبوش الابن). بعد ذلك درس بيكر في «ثانوية هيل» في هيوستن، التي درس فيها ابناء الاغنياء. ودرس في جامعة «برنستون» في ولاية نيوجيرسي البعيدة، التي لم يذهب اليها عدد كبير من ابناء تكساس. وانتخب في جامعة «برنستون» عضوا في «نادي آيفي». وأثبتت هذا الانتخاب مؤهلاته القيادية وهو في سن مبكرة، كما اثبتت قدرته على القاء الخطب، والاشتراك في النقاش، وادارة الاجتماعات. وتأثر بالسمعة الارستقراطية للنادي لأنه كان واحدا من عدد قليل من ابناء ولايات الجنوب الاميركي الذين يدخلون النادي.
قضي بيكر بعد الجامعة سنتين في الخدمة العسكرية، مع قوات البحرية، ووصل الى رتبة ملازم. وساعدته تلك الفترة على تنمية قدراته التنظيمية، والتعود علي العمل مع آخرين، واطاعة واصدار الاوامر. وأضفت التجربة العسكرية على شخصيته برودا لاحظه بعض الذين عملوا او تفاوضوا معه. اما دراسة المحاماة فقد زادت جديته وانتظامه، خاصة عندما عاد الى هيوستن وعمل في مكتب محاماة «اندرو آند كيرث». وكان محاميا صغيرا عندما تعلم «فن العمل لساعات طويلة»، وتعلم الاكتفاء بتقديم اسهامات صغيرة في مرافعات كتبها محامون عمالقة في المكتب. وكان مكتب المحاماة في هيوستن مدخل بيكر الى العمل السياسي. فقد ترشح وفاز، اعتمادا على تجربة جامعة برنستون، بمنصب في لجنة ادارة مكتب المحاماة، ثم ترشح وفاز بمنصب في اتحاد محامي هيوستن، ثم ترشح لمنصب مدع عام لتكساس، ورغم انه لم يفز، فقد فتحت المحاماة امامه ابواب العمل السياسي. لكنه لم يكن من النوع السياسي الشعبي، الذي يصرخ في الجماهير، ويردد الهتافات، بل كان سياسيا استراتيجيا هادئا، يجيد التخطيط والتنظيم.
وكان هذا سر العلاقة القوية بينه وبين الرئيس بوش الاب، الذي استفاد من طاقاته، بينما استفاد هو من شهرة بوش وطموحاته السياسية.
التقى الرجلان اول مرة في سنة 1970، عندما دعاه بوش الى غداء «هامبورغر». وكتب بيكر في كتاب مذكراته، «سياسة الدبلوماسية»، ان بوش وزوجته باربرا شاركاه، في تلك السنة، معاناة مرض زوجته الاولى ماري، عندما اصابها السرطان وتوفيت. وكتب بيكر ان جورج وباربرا كانا آخر صديقين يشاهدان ماري في المستشفى، قبل ان تصيبها غيبوبة لم تعد بعدها الى الحياة.
وكان الاعجاب متبادلا بين بيكر وبوش: في جانب، اعجب بيكر بهدوء بوش وانسانيته واعتداله (ينتمي بوش الى الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري). وفي الجانب الآخر، اعجب بوش باخلاص بيكر وتفانيه في العمل وقدرته على التخطيط والتنظيم. ولم يكن بوش فصيحا مثل بيكر، ولم يكن بيكر مشهورا مثل بوش. فبوش من عائلة شبه ارستقراطية في ولايات الشمال الشرقي، وبيكر جنوبي من تكساس. وكتب بيكر عن بوش، في مذكراته، انه «قدوتي. اتطلع اليه واستعين به، وقت الحاجة، وأعجب بنجاحاته المتوالية، واحترمه وأحبه، ولهذا اخترته عراب ابنتى ماري الصغيرة». (تزوج بيكر سوزان، بعد وفاة ماري، وأنجبا اربعة اطفال، بالاضافة الى اطفال ماري الاربعة). وليس هناك دليل على حجم تأثير كل منهما على الاخر، اقوى من اقناع بوش لبيكر بأن ينتقل من الحزب الديمقراطى الى الحزب الجمهوري. لكن بيكر اشترط انه سيكون جمهوريا معتدلا. واعتبر بيكر انتقاله الى الحزب الجمهوري واحدا من فضائل بوش عليه، وكتب ان بوش «علمني حب السياسة، والتفاني فيها، رغم مشاكلها. وعلمنى ان افضل طريقة لخدمة الوطن هي العمل العام. ومنذ ذلك الوقت خدمت وطني في مناصب عليا، والفضل يعود الى جورج». عمل بيكر، في سنة 1972، مديرا لحملة بوش لدخول مجلس الشيوخ، ليصبح سناتورا مثل والده، بريسكوت بوش. لكن بوش سقط. وانتقل الى واشنطن عندما اختاره الرئيس ريتشارد نيكسون سفيرا في الامم المتحدة، ثم رئيسا للحزب الجمهوري. لكن بيكر اصبح مسؤولا عن تربية اربعة اطفال صغار بعد وفاة زوجته ماري، ولم يكن يقدر على متاعب الحملة الانتخابية. لكنه انتقل الى واشنطن، ايضا، في وظيفة في ادارة نيكسون. وعندما استقال نيكسون بسبب فضيحة ووترغيت، وجاء الرئيس جيرالد فورد، اختار بيكر مساعدا لوزير التجارة.
وبقي بيكر في واشنطن، بعد نهاية ادارة فورد، وعمل في مكتب محاماة خلال ادارة الرئيس جيمى كارتر الديمقراطي. وعاد بيكر الى السياسة سنة 1980، مديرا لحملة بوش في الانتخابات التمهيدية لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري. لكن رونالد ريغان فاز على بوش كمرشح للحزب الجمهورى، واختار بوش نائبا له. وعندما فاز الاثنان ودخلا البيت الابيض، اختارا بيكر للعمل في منصب كبير موظفي البيت الابيض، وهو المنصب الذي كان بمثابة اعادة اكتشاف فضائل بيكر السياسية، ففيه تجسدت عمليا قدراته الكبيرة على التنظيم، وكان هذا مناسبا جدا، فمن المعروف عن ريغان انه من النوع الذي لا يفضل متابعة تفاصيل الموضوعات التى ناقشها او القرارات التى اصدرها. وعندما انتهت ولاية ريغان، عمل بيكر مديرا لحملة بوش الاب، عندما ترشح بوش لرئاسة الجمهورية. وعندما فاز، اختار بيكر وزيرا للخارجية. وبسبب تحاشيه المنافسات والمناورات مع وزراء ومسؤولين كبار في الادارة، ساهم بيكر في استقرار وزارة الخارجية، وصوت العاملون، في ذلك الوقت، لصالحه في استفتاء داخلي. وخلال سنوات عمله تأكد اهتمامه بمنطقة الشرق الاوسط. فقد بدأ اهتمامه بتروليا، وليس سياسيا، عندما كان محاميا في تكساس. وزاد بعد ان جاء الى واشنطن وعمل في وزارة التجارة، وفي رئاسة الحزب الجمهوري ذات الصلة الوثيقة بشركات البترول. غير ان حرب الخليج الثانية بين 1990 و1991 ادخلته في العمق الشرق اوسطي، فقد قاد الجهود الاميركية لاقناع صدام حسين بالانسحاب، ثم قاد جهود بناء تحالف دولي لخوض الحرب. وبعد الحرب واجبار العراق على الانسحاب من الكويت، كان شريكا في جهود وضع منظومة من العقوبات بحق النظام العراقي. غير ان بيئة الشرق الاوسط، كانت مشتعلة بعد الحرب، واستلزم الامر تدخلا اميركيا آخر لتسوية القضية التي استغلها صدام في محاولته لجذب الشارع العربي لصفه، وهي الصراع العربي ـ الاسرائيلي. فدعت الادارة الاميركية الاسرائيليين والعرب الى الجلوس الى مائدة المفاوضات، لاول مرة وجها لوجه (علانية)، من اجل التوصل لتسوية، والتقى مسؤولون من الجانبين في مؤتمر مدريد، في اكتوبر (تشرين الاول) 1991، برعاية بيكر، وكان الوفد الفلسطيني ساعتها جزءا من الوفد الاردنى الى المفاوضات. لكن بيكر، مثل وزراء خارجية اميركيين قبله وبعده، واجه تعنتا اسرائيليا، وخاصة من اسحق شامير، رئيس الوزراء، في ذلك الوقت. وكتب بيكر في كتاب مذكراته ان شامير كان «اصعب سياسي واجهته في حياتي». ووصف ثمانية اجتماعات معه خلال شهر ونصف الشهر لاقناعه بوقف بناء المستوطنات وقبول قرار مجلس الامن رقم 242. ولم يقبل بيكر، وهو «الارستقراطي التكساسي»، تعالي شامير، وديفيد ليفي وزير الخارجية، وارييل شارون وزير الاسكان في ذلك الوقت. لم يقبل تندر ليفي عليه عندما قال له «ليس عندك دكتوراه، لكنك ذكي وكأن عندك دكتوراه». ولم يقبل قول شامير له «طلباتك التي قدمتها لنا أصعب طلبات في تاريخ العالم». واحتقر شارون، وقال انه «آخر شخص أريد أن أقابل»، ووصفه بأنه «عقبة في طريق السلام».
وقد ذهب بيكر، خلال تلك الفترة، الى الكونغرس لحضور جلسة استجواب، وواجه نقدا من انصار اسرائيل في الكونغرس وغضب، ورد بأن الاسرائيليين لا يريدون الاجابة على طلب وقف بناء المستوطنات، وقال «عندما يجهزون اجابتهم، يقدرون على الاتصال بي على تليفون رقم (....)»، وذكر رقم وزارة الخارجية الاميركية. لكن بوش الاب خسر انتخابات التجديد لولاية ثانية، فغادر بيكر المسرح السياسى، وعاد الى المحاماة والاستثمارات البترولية. وانشغل بالمحاماة، وادارة مكتبه، الذي اصبح فيه الآن اكثر من 400 محام، وله فروع في دول خارجية، منها دول خليجية. ونقل بيكر رئاسة المكتب من واشنطن الى هيوستن. وهكذا عاد الي مسقط رأسه بعد ثلاثين سنة في واشنطن. وعنوان المكتب: 1 ميدان شركة شل، هيوستن. ربما يدل هذا على استمرار صلته بشركات البترول.
وهي نقطة يستغلها ضده منتقدوه، فهو انشغل باستثمارات مباشرة، خاصة مع دول خليجية، التي ظلت مدينة له لدوره في طرد القوات العراقية من الكويت. كما انشغل باستثمارات عن طريق مجموعة «كارلايل» (تضم زملاء قدامي، مثل فرانك كارلوتشي، وزير الدفاع السابق، وتجمعه بالرئيس بوش الاب، الذي يقدم استشارات للمجموعة).
واثبت بيكر قدرته على الجمع بين العمل السياسي والبترولي وهوايته المفضلة: الصيد. صاد في ولاية وايومنغ، حيث بني منزلا صيفيا. وصاد في الدول الخليجية، خلال زياراته السياسية والبترولية. وصاد في منغوليا عندما توقف خلال مفاوضات حرجة قبيل حرب الخليج. وصاد في اليمن عندما ذهب لاقناع المسؤولين هناك بعدم معارضة حرب الخليج.
وقد وصفت مجلة «كريمسون»، التي يصدرها طلاب جامعة هارفارد، شخصية بيكر بأنها «فوق غيرها، تفوقت حتى على شخصية بوش عندما كان رئيسه». وقالت «يغيظ بيكر اعداءه، انه لا يتحدث عن نفسه كثيرا». واضافت «سيسجل التاريخ ان بيكر كان ذكيا، ومناكفا هادئا». واشارت الى ان بيكر عنده «عجرفة اميركية واضحة لا يحبها الذين خارج اميركا، ولا يحبها بعض الذين داخل اميركا».
لكن بيكر وصف نفسه، في كتاب مذكراته، وقال «يعرفني الناس بأني رجل عمل، لا رجل تأملات». وأضاف أن «السياسي الناجح، مثل الدبلوماسي الناجح، يقدر قوته التي يعتمد عليها (اذا كان قويا). وعرفت كيف اعتمد على القوة الاميركية، لكني عرفت، ايضا، كيف اربط بين قوتنا ومبادئنا الديمقراطية».
وكتب بيكر أنه لا يتفق مع كارل كلاوسفتس، الاستراتيجي الالماني في القرن التاسع عشر، صاحب القول المشهور «الحرب امتداد للسياسة».« قال بيكر انه يحترم كلاوسفتش، لكنه يؤمن بأن الدبلوماسية امتداد للسياسة»، وان الدبلوماسية يمكن ان تشمل الحرب والسلام.
وقال بيكر ان افضل مثال لنظريته كان اجتماعه الاخير، قبيل حرب الخليج، مع طارق عزيز، وزير خارجية العراق، لاقناعه بالانسحاب من الكويت. لكن عزيز رفض، وكتب بيكر: «تحولت السياسة الى دبلوماسية، لكن فشل الدبلوماسية تحول الى حرب». والمعروف ان بيكر لم يعارض غزو العراق علنا، حتى اليوم. وتخلف، قبيل غزو العراق، عن برنت سكوكروفت، المستشار السابق للرئيس بوش الاب، الذي نشر رأيا في جريدة «واشنطن بوست»، عارض الحرب. وكان واضحا ان سكوكروفت يعبر، بطريقة غير مباشرة، عن معارضة بوش الاب لغزو العراق. لكن، طبعا، لم يعارض الاب علنا، اذا كان حقيقة قد عارض.
ويبدو ان بيكر أيد غزو العراق، لكنه تخوف من النتائج: وقالت جريدة «هيوستن كرونيكل»، ان بيكر «تعلم من حرب الخليج ان غزو العراق وعزل صدام حسين خطران معقدان». وقال بيكر نفسه، في مقابلة مع تلفزيون «بي بي اس»، قبل غزو العراق، «لو كنا غزونا العراق خلال حرب الخليح، كنا لا نزال هناك حتى اليوم، نواجه حرب عصابات». وقال بيكر نفسه، في الشهر الماضي، في ندوة في جامعة برنستون (التي تخرج منها سنة 1952): «لم اؤيد غزو العراق خلال حرب الخليج، بسبب ما نراه الآن في العراق». ولا تعتبر عودة بيكر لازمات الشرق الاوسط من الباب العراقي، عودة بعد انقطاع طويل، فهو كان مكلفا من قبل الأمم المتحدة بحل المشكلة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وهى مهمة لم يحقق فيها نجاحا كبيرا، فهل يحقق في العراق نجاحا تترقبه وتسعى اليه الادارة، لا احد يدرى بعد. لكن الذي لا شك فيه هو ان بيكر سيجد دعما كبيرا من مستشاريه، فمع انه شخصية جادة جدا وهادئة، الا ان هذا لا يعني انه ليس محبوبا. وهو قال مرة بهذا الصدد «لا يجب ان تعرف كيف تلعب التنس لتكون ناجحا في البيت الابيض
الخميس 4 مارس 2021 - 1:37 من طرف ahmedsdream
» تحميل ابحاث قانونية متنوعة
الأربعاء 30 يناير 2019 - 4:28 من طرف جميل0
» حمل موسوعة أحكام المحكمة الإدارية العُليا حصريا
الأربعاء 30 يناير 2019 - 4:24 من طرف جميل0
» موسوعة فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة .. الجزء الاول
الجمعة 11 يناير 2019 - 8:11 من طرف jvmj12
» البرنامج التدريبي نوفمبر – ديسمبر 2017
الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 19:22 من طرف يوسف بختان
» حمل كتاب الشرح الوافى العملى لدعوى رصيد الاجازات
الجمعة 13 يناير 2017 - 1:17 من طرف leaderman
» الوجيز فى القانون الادارى
الخميس 15 ديسمبر 2016 - 15:31 من طرف احمد العزب حجر
» كاميرات مراقبة
الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 18:12 من طرف كاميرات مراقبة
» افضل اسعار كاميرات مراقبة فى مصر
الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 18:10 من طرف كاميرات مراقبة