بسم الله الرحمن الرحيم
بحث مطول عن عدم صحة اتفاق التحكيم
الجزء الاول
مقدمــة:
الحمد لله رب العالمين ، والشكرله على ما أنعم وأولى ، فإنه أجدر بالشكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله الصادق وعده ووعيده ، أوضح سبيل الهدى ، وأزال ظلمالشك والضلال فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه البررة ، وبعد .... فإنالاشتغال بالعلم والبحث من أفضل الطاعات ، وهو من أسباب الرفعة في الدنيا والآخرةلمن أخلص وابتغى وجه الله فقال عز من قائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَاقِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْوَإِذَا قِيلَ انشُرُوا فَانشُرُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْوَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ،وإذا كان هذا هو فضل العمل والعلماء ، فقد جعل لطالب العلم من الفضل ما لا يقل عنذلك ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهلالله له طريقا إلى الجنة وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما صنع ) .
بداية لا أدعي أن اخترت تلك الموضوعاتحول التحكيم لأشيد بناء لم يكن موجوداً ، ولا لأتدارك موضوعاً من العلم كان مفقوداً، لأنه لا يكاد يخلو أي مؤلف في التحكيم مما ذكرت ، فالأساس موجود والبناء مشيد ،ولكني أردت أن يوفقني الله في ربط الواقع العملي بذلك الأساس من واقع القضايا ،وأسأل الله تعالي أن يجعل عملي خالصاً لوجهه وأن يبرئه من كل رياء ظاهر وخفي وأنينفع به .
عدم صحة أتفاق التحكيم :
قد يكون الاتفاق على التحكيمفي صورة شرط التحكيم (6) ، وقد يكون في صورة مشارطه التحكيم (7) ، وفى كل منالصورتين فإن الاتفاق على التحكيم هو الذي يجعل النزاع المتفق عرضه على التحكيم غيرجائز نظره من قبل محاكم الدولة ( ، ومن هنا حرصت القوانين الداخلية في كل دولهعلى النص على ضرورة وجود اتفاق صحيح على التحكيم حتى يمكن الأمر بتنفيذ حكم التحكيمالصادر بناء على هذا الاتفاق.
ولما كان الاتفاق على التحكيم هو تصرف قانوني شأنه فيذلك شأن أي تصرف قانوني أخر حيث أنه تصرف إرادي ينصب على محل معين لإحداث أثرقانوني معين (9) ، (10) ، فإنه كغيرة من الاتفاقات لابد أن يستند إلى قانون معينيمده بقوته الملزمة وينظم وجوده وآثاره ومصيره (11) ، لذلك فإن القانون الذي يخضعله اتفاق التحكيم هو الفيصل في كل ما يتعلق بوجوده وصحته .
ويكشف تتبع الفقه والقضاء عن وجود اتجاهين رئيسيين فيتحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ، أحدهما ينحاز إلى تطبيق قانونمقر التحكيم والآخر ينحاز إلى تطبيق قانون الإرادة الحاكمة للعقود بصفة عامة (11) ،وقد أخذت محكمة النقض المصرية بالاتجاه الأول وقالت في حكم لها : " بأنه لما كان منالثابت أن شرط التحكيم المدرج في سند الشحن قد نص على أن يحال أي نزاع ينشأ عن هذاالسند إلى ثلاثة محكمين في مرسيليا وكان المشرع قد أقر الاتفاق على إجراء التحكيمفي الخارج ، ولم ير في ذلك ما يمس النظام العام فإنه يرجع في شأن تقرير صحة شرطالتحكيم وترتيب آثاره إلى قواعد القانون الفرنسي باعتباره قانون البلد الذي اتفقعلى إجراء التحكيم فيه " (12) ، ومن الواضح أن هذا الاتجاه ينبع من الطبيعةالقضائية للتحكيم لأنه يتجاهل أن اتفاق التحكيم عقد كسائر العقود ، وأن العقد يجبأن يخضع لقواعد الإسناد في تنازع القوانين لتحديد القانون الواجب التطبيق لمعرفةصحته من عدمه ، ومن الواضح أيضاً إذا ما سايرنا هذا الاتجاه أننا سنجد تنوع فيالحلول بحسب الوقت الذي يتم فيه تقدير صحة اتفاق التحكيم من عدمه ، فإذا أثير البحثعن ذلك بمناسبة دفع بعدم اختصاص القضاء لسبق الاتفاق على التحكيم ، فسوف يطبقالقاضي الذي يثار أمامه ذلك الدفع قانونه باعتباره القانون الذي يطبق على إجراءاتالتقاضي ، أما إذا أثير البحث عن ذلك بعد صدور الحكم من خلال دعوى البطلان فسوفيطبق القاضي الذي ينظر في هذا الدفع قانون البلد الأجنبي الذي تمت فيه إجراءاتالمحاكمة بوصفة القانون الذي تمت المحاكمة في ظله .
أما عن الاتجاه الثاني والذي يقرر خضوع اتفاق التحكيملقانون الإرادة لتقدير صحته من عدمه فهو ينطلق من الاتجاه الذي يشايع الطبيعةالتعاقدية للتحكيم ولذلك قد يكون ذلك القانون هو قانون البلد الذي يجري فيه التحكيمأو أي بلد أخر بحسب اتفاق الأطراف ، وبحسب قواعد الإسناد في ذلك القانون التي قدتشير إلى قانون الجنسية المشتركة أو قانون الموطن المشترك أو قانون البلد الذي تمفيه العقد ، أو قانون البلد الذي يتم فيه تنفيذ العقد ، ومن الواضح أن هذا الاتجاهيؤدي إلى توحيد الحلول القضائية بشأن تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاقالتحكيم لتقدير صحته من عدمه سواء كان بحث ذلك أثناء الدفع بعدم الاختصاص أو منخلال الدفع بالبطلان من خلال دعوى البطلان بعد صدور حكم التحكيم ، ولكن قد يسفر هذاالاتجاه عن صعوبة ليست بالهينة في حالة عدم وجود اتفاق بين الأفراد على تحديدالقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم (13) .
أما على مستوى الاتفاقات الدولية فقد نصت اتفاقيةنيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية من خلال المادة 5/1/1 على أن تحديد القانونالواجب التطبيق على اتفاق التحكيم لتحديد صحته من عدمه يكون طبقاً لاتفاق الأطراف ،فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق يتم تطبيق قانون محل صدور حكم التحكيم ، وبذلك يتضحأن اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية قد جمعت بين الاتجاهين السائدينفي هذا المجال ، بحيث يكون الاتجاه الأول احتياطياً للاتجاه الثاني .
والواقع أن الاتجاه الثانيالذي يقضي بخضوع اتفاق التحكيم لقانون الإرادة لا يعني تمتع الأطراف بالحريةالكاملة طبقاً لما يوحيه ظاهر الاتجاه لأن ذلك يتوقف على العناصر التي يلزم منوجودها صحة اتفاق التحكيم ، لأن بعض القوانين تتطلب عنصر الكتابة كشكل لازم لإثباتاتفاق التحكيم بحيث يلزم من تخلفها بطلانه ، فلا يمكن مثلاً للأفراد تجاهل هذاالعنصر عند اختيارهم لقانون يحكم اتفاق التحكيم لا يتطلب عنصر الكتابة لصحة اتفاقالتحكيم ، وكذلك أيضاً عنصر قابلية النزاع للحل عن طريق التحكيم فلا يمكن للأفرادالاتفاق على حل نزاع معين عن طريق التحكيم ويخضعان اتفاق التحكيم لقانون يجيز حلمثل ذلك النزاع عن طريق التحكيم في حين أن القانون لا يجيز من الأصل حل ذلك النزاععن طريق التحكيم .
ويكاد يجمعالشراح والقوانين على أن هناك عناصر معينة في اتفاق التحكيم يجب توافرها حتى يكونصحيحاً وهى على النحو:-
1- أن يكون مكتوباً
إذا كانتالقاعدة العامة في شأن اتفاق التحكيم تقضي بخضوعه للقانون الموضوعي المطبق علىالعقد (14) ، لذلك يجب الرجوع إلى مثل هذا القانون لمعرفة مدى تطلبه شرط الكتابةلصحة اتفاق التحكيم من عدمه ، وباستقراء مواقف قوانين الدول من النص على هذا الشرطنجد أنها اختلفت وتباينت فمجموعة الدول ذات التقاليد اللاتينية سعت إلى إحاطة اتفاقالتحكيم بضمانات معينة وإدخاله في دائرة التصرفات التي يجب إفراغها في شكل معينكالهبة والوصية والصلح ومن ثم تطلبت شرط الكتابة لصحة اتفاق التحكيم ، وذلك حتىيمكن التحقق من إرادة الأفراد قد اتجهت بالفعل إلى الالتجاء إلى التحكيم .
وعلى النقيض تماماً فإن الدول ذاتالنظم الانجلوسكسونية لم تجد مبرراً يوجب إخضاع اتفاق التحكيم لشكل معين فأخضعتهللقواعد العامة التي تحكم التصرفات القانونية ، واكتفت بتدخل القاضي للتحقق منانصراف إرادة الأطراف إلى اللجوء للتحكيم في حالة ما إذا كان الاتفاق شفهياً أويمكن استخلاصه ضمناً من الظروف القائمة (15) ، فعلي سبيل المثال يجري قضاء محكمةاستئناف باريس على أن انعدام الكتابة في حد ذاتها لا يترتب عليه بطلان مشارطهالتحكيم ، حيث يمكن التحقق من وجود مشارطه التحكيم من مسلك الخصوم أثناء سير خصومةالتحكيم ، فإذا شارك الخصوم في خصومة التحكيم بدون أي تحفظ أو اعتراض على وجودمشارطه التحكيم أمكن القول بموجود اتفاق صحيح على التحكيم (16) .
وقد أختلف قوانين الدولالعربية في النص على هذا العنصر ، فالقانون المصري يتطلب الكتابة لصحة اتفاقالتحكيم من خلال نص المادة 12 من قانون التحكيم الجديد (17) ، وكذلك القانونالكويتي من خلال نص المادة 173/2 من قانون المرافعات ، وكذلك قانون الإماراتالعربية المتحدة من خلال المادة 203/3 من قانون الإجراءات المدنية ، أما القانوناللبناني فيفهم من نص المادة 766/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية أن الكتابة شرطللإثبات .
أما بخصوص هذا العنصرعلى مستوى التنظيمات الدولية الموحدة ، فإن بروتوكول جنيف لعام 1923م واتفاقية جنيفلعام 1927م ، قد رأيا أن يتركا الأمر لتقدير كل دولة حسب قانونها الداخلي بالإحالةإلى التشريع الوطني لكل دولة لتحديد شروط إثبات اتفاق التحكيم ، ولكن اتفاقيةنيويورك لعام 1958 حسمت هذا الأمر بالنص صراحة في المادة الثانية على ضرورة الكتابةلصحة اتفاق التحكيم (18) ، والكتابة في هذه الحالة تعد شرط لصحة الاتفاق وليستدليلاً للإثبات ، ولا يكفي أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً بل لا بد أن يكون موقعاًعليه من الطرفين ، وتعترف الاتفاقية كذلك بالخطابات أو البرقيات المتبادلة بينالأطراف دون اشتراط وجود عقد مسايرة لضرورات التجارة الدولية بموجب المادة 2/2 ،أما بالنسبة للاتفاقيات المتبادلة عن طريق الفاكس ، فلم تنص المادة 2/2 منالاتفاقية على هذا النوع من طرق الاتصال ، ولكن لا يوجد ما يمنع من الاعتراف بهذهالوسيلة من وسائل الاتصال حيث اعترفت القوانين الوطنية الحديثة بوسائل الاتصالالمكتوبة كالفاكس مثل قانون التحكيم المصري رقم 27لعام 1994م في المادة (12) ،والقانون الإيطالي لعام 1994م في المادة (807) (19) .
ومن التطبيقات القضائية المهمة بخصوص هذا الشرط :
قامت شركة إيطالية باستئجارسفينة مملوكة لشركة مسجلة في بنما ومملوكة لمصالح يونانية ونص في عقد الإيجارالمطبوع على التحكيم في لندن ، وعندما نشأ نزاع بين الطرفين امتنعت الشركةالإيطالية عن تعيين محكمها أو الاشتراك في إجراءات التحكيم ، فأصدرت محكمة التحكيمحكماً لصالح مالك السفينة ، وتقدم مالك السفينة بهذا الحكم لتنفيذه على المحكومعلية ( الشركة الإيطالية ) في إيطاليا ، فتمسكت الشركة الإيطالية أمام محكمةاستئناف تريستا الذي طرح عليها طلب الأمر بالتنفيذ ، ببطلان اتفاق التحكيم في هذاالنطاق لعدم توافر ما تتطلبه المادتين 1341و1342 من القانون الإيطالي التي تشترطانفي العقود التي تتضمن شروط عامة مطبوعة أن يقوم الأطراف بالتوقيع على شرط التحكيمذاته توقيعاً خاصاً بحيث لا يكفي التوقيع بصفة عامة على العقد في مجموعه فرفضتمحكمة استئناف تريستا هذا الطعن وقالت أن التنفيذ يتم وفقاً لاتفاقية نيويورك لعام 1958م وهي لا تتطلب شيئاً من هذا القبيل ، وأعادت محكمة النقض الإيطالية التأكيدعلى انطباق المادة الثانية من اتفاقية نيويورك (20) .
ونخلص مما تقدم أن الدول قد تباينت في النص علىاشتراط الكتابة في عقد التحكيم حسب سياستها التشريعية ، ولكن اتفاقية نيويورك قداشترطته صراحة بموجب المادة الثانية ، ونرى أن التشريعات التي اعتبرت الكتابة شرطلصحة اتفاق التحكيم كالتشريع المصري بقوله في المادة 12 من قانون التحكيم الجديد ( يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً ) ، لم تكن موفقة تمام التوفيقلأن الهدف من الكتابة هو الإستيثاق من أن إرادة الأطراف كانت واضحة وصريحة علىاللجوء إلى التحكيم ، وهو أمر قد يتحقق بوسائل أخرى غير الكتابة كرفع المدعى دعوىتحكيم وعدم اعتراض المدعى عليه على ذلك ، وعلى ذلك كان من الأجدر عدم ترتب البطلانكنتيجة مباشرة وتلقائية على عدم الكتابة كما فعل نص القانون المصري وعاود التأكيدعلى ذلك من خلال نص المادة 56 من ذات القانون باشتراط أن يرفق بطلب تنفيذ حكمالتحكيم صورة من اتفاق التحكيم المشار إليه في المادة 12، وكان من الأفضل اشتراطالكتابة ، أما تقدير البطلان من عدمه كنتيجة مباشرة وتلقائية على عدم الكتابة فكانمن الأجدر تركها للمحكم أو القاضي حسب الأحوال يعملها على حسب كل حالة طبقاًلمقتضيات الظروف ومن مسلك الأطراف في الدعوى ، أما تقدير البطلان مقدماً وصراحة منخلال النص ، فهو أمر قد لا يترك للمحكم أو القاضي أي سلطة تقديريه في تقرير البطلانمن عدمه ، ونتوقع أن يجتهد القضاء المصري في تفسير هذا النص بطريقه تحقق الحكمة منوجودة وخصوصاً إذا ما أثيرت مسألة البطلان في مرحلة ما بعد صدور حكم التحكيم ( عندالتنفيذ ، أو دعوى بطلان حكم التحكيم ) آخذاً في الاعتبار عنصري الرضائيه والحريةاللذين يسيطران على نظام التحكيم علماً بأن اتفاقية نيويورك لم تقرر البطلان كجزاءلعدم كتابة اتفاق التحكيم كما فعل المشرع المصري من خلال نص المادة 12 المشار إليه، حتى يمكن القول أن المشرع المصري أراد مسايرة اتفاقية نيويورك ، فصحيح أن اتفاقيةنيويورك اشترطت الكتابة لإثبات اتفاق التحكيم ، لكنها لم تقرر البطلان كجزاء لتخلفهذه الكتابة ، بل تركت ذلك حسب الأحوال وفقاً للقانون الواجب التطبيق على اتفاقالتحكيم ، وقالت في صدر المادة الخامسة أنه لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ حكمالتحكيم إلا في الأحوال الآتية أ- …. أن اتفاق التحكيم غير صحيح وفقاً للقانون الذيأخضعه له الأطراف … الخ .
2- صحة تراضي أطراف اتفاق التحكيم
التعبير عن الإرادة الذي يتمإفراغه كتابياً بما يفيد قبول التحكيم كوسيلة لحل المنازعات الحالة أو المستقبلةيصدر بالضرورة عن أشخاص أطراف التحكيم أو ممثليهم ، ومن هنا يجب التأكد من أهليتهمالقانونية لإبرام هذا النوع من التصرفات وسلامة رضاهم ، والأهلية المشترطة في طرفياتفاق التحكيم هي أهلية التصرف ، وأهلية التصرف لا تثبت بحسب الأصل إلا لمن بلغ سنالرشد غير محجور عليه لجنون أو عته أو سفه أو غفلة ، كذلك يجب ألا قد أشهر إفلاسهلأنه يترتب على شهر الإفلاس غل يد المدين عن التصرف في أمواله من تاريخ شهر الإفلاس، ومن ثم فإنه يمتنع الاتفاق على التحكيم اعتباراً من هذا التاريخ ، غير أن المنعلا يشمل بالطبع الأموال غير الداخلة في التفليسة (21) .
وعدم توافر أهلية أحد أطراف التحكيم يعد سبباً لبطلانالاتفاق على التحكيم وهذا أمر مفترض ، ونصت عليه اتفاقية نيويورك صراحة في المادة 5/1/أ .
والسؤال الذي يطرح نفسههنا ما هو القانون الواجب التطبيق على أهليه أطراف اتفاق التحكيم حتى يمكن الرجوعإليه لمعرفة أهلية أطراف اتفاق التحكيم ؟
باستقراء قوانين الدول في هذا الشأن نجد أن بعضهاتطبق على الأهلية قانون الجنسية بالنسبة للأفراد وقانون الموقع بالنسبة للأشخاصالمعنوية كقوانين البلاد ذات التقاليد اللاتينية ، والبعض الأخر من القوانين يطبققانون الموطن بالنسبة للأفراد وقانون بلد التأسيس بالنسبة للأشخاص الاعتباريةالعامة كقوانين البلاد ذات التقاليد الأنجلو سكسونية ، وقد تطبق بعض القوانينضابطاً موضوعياً وليس شخصياً مثل ضابط محل إبرام العقد المعمول به في الولاياتالمتحدة الأمريكية ، أو أن يكون قانون الأهلية هو القانون الذي يخضع له العقد بوجهعام (22) .
ولم تقرر اتفاقيةنيويورك مسألة القانون الواجب التطبيق على الأهلية بل تركت لمحاكم الدول المختلفةأن تطبق قواعد التنازع المعمول بها في كل دوله (23) ، ولعل السبب في عدم وضع قاعدةموحدة بخصوص أهلية أطراف التحكيم تخوف واضعي الاتفاقية من الدخول في مسألة تنازعالتكييفات ، ونظراً لاختلاف قواعد الإسناد ولتعذر وضع نصوص موحدة ، لذا فقد آثرواترك تقدير أهلية أطراف اتفاق التحكيم للقانون الذي تشير إليه قاعدة التنازع فيقانون الدولة المطلوب إليها التنفيذ (24) ، ومن ثم فإن اتفاقية نيويورك قد تركتللقاضي الذي يطرح عليه طلب الأمر بالتنفيذ – عند النظر في مسألة الأهلية لتقرير مديصحة الاتفاق على التحكيم صادر بناء على ذلك الاتفاق بيان ما هو القانون الذي يحكمأهلية طرفي الاتفاق على التحكيم ، فإذا كان الأمر مطروحاً على قاض فرنسي أو مصريمثلاً يأخذ نظامه القانوني بقانون الجنسية ، وجب تحديد مدى توافر أو عدم توافرأهلية الشخص وفقاً لقانون جنسيته ، أما إذا طرح الأمر على قاض بريطاني أو أمريكييأخذ نظامه القانوني بقانون الموطن ، فإن المناط عندئذ لتقرير مدى توافر أو عدمتوافر أهلية الشخص يكون بالقواعد الموضوعية في قانون موطن الشخص الطرف في اتفاقالتحكيم (25) .
والسؤال الذييطرح نفسه هنا ما هو الحال عند وجود قيود في القوانين الداخلية للدول تؤثر علىأهلية الأفراد عند إبرامهم لاتفاق التحكيم كما هو الحال في القانون الإيطالي الذيينص في المادة الثانية من قانون المرافعات على بطلان أي اتفاق تحكيم بين أشخاصإيطاليين أو متوطنين في إيطاليا لإجراء تحكيم خارج إيطاليا ؟ وكما هو الحال فيالقانون الفرنسي الذي ينص على حظر الاتفاق على التحكيم من قبل أشخاص القانون العامكالدولة وأجهزتها وهيئاتها العامة ؟ .
بالنسبة للحالة الأولي حسم القضاء الإيطالي الإجابةعلى هذا التساؤل بقول محكمة النقض الإيطالية مراراً في العديد من أحكامها بتقريروجوب الاعتراف بصحة الاتفاق على التحكيم في الخارج المبرم بن رعايا إيطاليين مقيمينفي إيطاليا أو بينهم وبين أجانب متوطنين في إيطاليا إعمالاً لاتفاقية نيويورك ،لأنه بالتصديق على الاتفاقية صارت جزء من النظام القانوني الإيطالي بحيث يجب تطبيقمضمونها باعتبارها تتضمن قواعد تسمو على القواعد الداخلية ، ولكانت الاتفاقية لمتشترط انتماء أطراف التحكيم إلى جنسية دولة معينة أو توطنهم في دوله ما كشرط لصحةاتفاق التحكيم ، فلا يجوز الادعاء بعدم صحة اتفاق التحكيم لأم أحد طرفية جنسيتهإيطالية أو متوطن في إيطاليا (26) .
وبالنسبة للحالة الثانية فقد استقر القضاء الفرنسيعلى أن القيود المذكورة تسري فقط في شأن المعاملات الداخلية ، ولكنها لا تمنع أشخاصالقانون العام من أن تكون طرفاً في اتفاق تحكيم ذي طبيعة دولية ، وأثيرت هذه الحالةأيضاً أمام المحاكم التونسية في نزاع طرح أمام القضاء التونسي حول صحة اتفاق تحكيمأبرم بين شركة الكهرباء والغاز التونسية وهي مؤسسة عامة وبين شركة فرنسية ، وتمسكتالشركة التونسية ببطلان اتفاق التحكيم على أساس أن القانون التونسي يحظر علىالمؤسسات العامة الالتجاء إلى التحكيم ، ورفضت المحكمة التونسية هذا الدفع واستندتإلى واقعة انضمام تونس لاتفاقية نيويورك ، وقررت أن الحظر القائم في القانونالداخلي لا يسري على الحالات التي يكون فيها الاتفاق على التحكيم متعلقاً بمعاملةدولية وخلصت المحكمة إلى صحة اتفاق التحكيم بغض النظر عن القيود التي يفرضهاالقانون الداخلي (27) .
ويجب أننلاحظ أن بطلان حكم التحكيم لبطلان اتفاق التحكيم لنقص أهلية أحد طرفية ، قد يكونبطلان مطلق وذلك إذا وجهت إجراءات المحاكمة إلى ناقص الأهلية نفسه أو باشرها بنفسه، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ، أما إذا وجهت إجراءات المحاكمة إلى ممثل أونائب ناقص الأهلية القانوني ، فإن البطلان يكون بطلان نسبي ، حيث يجب على الممثل أوالنائب القانوني أن يحضر إجراءات المحاكمة ويتمسك ببطلان اتفاق التحكيم لنقصالأهلية ، أما إذا حضر ولم يعارض في ذلك اعتبر اتفاق التحكيم صحيحاً من هذا الوجهلأن ذلك بمثابة إجازة من الممثل أو النائب القانوني لاتفاق التحكيم الذي وًّقعهناقص الأهلية وعلى ذلك يجب على الطرف الأخر تجنب مباشرة إجراءات قابلة للزوال بأنيوجه إجراءات التحكيم إلى نائب أو ممثل ناقص الأهلية من البداية كمحاولة لتصحيحالبطلان الذي أصاب اتفاق التحكيم لنقص أهلية الطرف الآخر .
ولا يكفي فقط أن يتمتع أطراف اتفاق التحكيم بالأهليةحتى يكون اتفاقهم على التحكيم صحيحاً ، بل يجب أيضاً أن تكون إرادتهم سليمة خاليةمن عيوب الرضا ( الغط ، والتدليس ، والإكراه والاستغلال ) ، وسلامة رضا طرفي اتفاقالتحكيم مطلب ضروري لتلاقي إرادة الطرفين على الاتفاق على التحكيم ، والتحقق منوجود الرضا و عدم وجودة وما يتعلق بصحته أو فسادة إنما هي أمور تخضع للقانون الذييحكم اتفاق التحكيم ذاته (28) ، والذي تجد الإشارة إليه حقاً في هذا النطاق أن هناكمبدأ يقتضي بإستقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي ، أي أن إبطال العقد الأصلي لعيبمن عيوب الإرادة لا يعني ذلك إبطال شرط التحكيم المحتوي عليه ذلك العقد بناء علىذلك العيب ، كما أن إبطال شرط التحكيم لعيب من عيوب الإرادة لا يعني ذلك إبطالالعقد الأصلي المحتوى على ذلك الشرط بناء على هذا العيب (29) .
ولم تتضمن اتفاقية نيويورك نص يعالج المشكلات التيتتعلق بركن الرضا في اتفاق التحكيم ، واكتفت بما ورد في المادة الخامسة من بيانقاعدة الإسناد التي يتم على أساسها تحديد القانون الواجب التطبيق على المسائلالمتعلقة بالرضا وهو القانون الذي أخضع الأطراف الاتفاق له ، وفى حالة غياب أيةإشارة إلى ذلك يكون قانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم (30) ، ولهذا يجب الرجوعبصفة أصلية إلى القانون الذي اختاره الأطراف صراحة أو ضمناً ليحكم اتفاقهم علىالتحكيم أو قانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم للحكم على كافة المسائل المتصلةبالتراضي وصحته .
وتطبيقاً لذلكفقد ذهبت المحكمة العليا الألمانية بمناسبة إدعاء طرف ألماني أمامها أن اتفاقالتحكيم تم توقيعه من قبله تحت ضغط اقتصادي ، إلى اتباع قاعدة الإسناد التي أوردتهاالمادة 5/1/أ من اتفاقية نيويورك ، والتي بإعمالها يتضح أن القانون الواجب التطبيقهو القانون التشيكي لكونه القانون الذي اختاره أطراف اتفاق التحكيم ، ولما كان هذاالقانون لا يعترف بالضغط الاقتصادي سبباً لبطلان اتفاق التحكيم ، فإن إدعاء الطرفالألماني يكون مرفوضاً ، وقررت ذات المعني أيضاً محكمة استئناف نابولي عندما دفعالمحكوم عليه أمامها بأن اتفاق التحكيم قد أبرم تحت تأثير الغش والتدليس ، وانتهتالمحكمة إلى ضرورة الرجوع إلي القانون الواجب التطبيق وفقاً لقاعدة الإسنادالمذكورة في اتفاقية نيويورك – المادة 5/1/أ والتي يتضح من خلالها أن القانونالنمساوي هو الذي تشير إلى تطبيقه قاعدة الإسناد (31) .
ولا يختلف الحال بالنسبة إلى الشخص الاعتباري - كقاعدة عامة ، لأن الرأي الراجح لدي الشراح هو الاعتراف للشخص الاعتباري بأهليةالأداء بالنسبة لحقوقه والتزاماته التي تدخل في الغرض من إنشائه (32) ، غير أنالأمر هنا يتم على خطوتين ، الخطوة الأولي التحقق من أن الشخص الذي وقع الذي وقعنيابة عن الشخص الاعتباري يملك سلطة التوقيع بأسمه على اتفاق التحكيم عن طريقالقانون الذي يحكم الشخص الاعتباري ، فإذا كان الشخص الاعتباري شركة وجب الرجوع إلىالقانون الذي يحكم الشركة وهكذا ، والخطوة الثانية التحقق من توافر الأهلية وسلامةإرادة ممثله وخلوها من عيوب التراضي ، فتحدد أهلية الشخص الاعتباري وصحة إرادةوفقاً للقانون الواجب التطبيق ، وقد خلت المادة 5/1/أ اتفاقية نيويورك من نص يدلصراحة على من له سلطة تمثيل الشخص الاعتبار في اتفاق التحكيم والتوقيع نيابة عنهولا عن أهليته وصحة إرادته ولكن الرأس استقر الحال على تطبيق ذات القواعد التيأوردتها المادة 5/1/أ من الاتفاقية على الشخص الطبيعي استصحاباً للحال على أساس أنالعبرة بالقانون الذي يحكم الطرف الأصيل الصادر التصرف باسمه (33) .
وتطبيقاً لذلك أثير هذا الموضوعفي قضية هضبة الهرم المصرية ، وتتلخص وقائع هذه القضية ، في أن شركة أوربية تدعيs.p.pأبرمت عقداً مع الهيئة المصرية للسياحة والفنادق من أجل بناء مركزيين سياحيينأحدهما في الأهرامات وصادق وزير السياحة على العقد بتوقيعه مع كلمات للموافقةوالمصادقة والاعتماد وتضمن العقد شرطاً تحكمياً يحيل إلى تحكيم غرفة التجارةالدولية ، وآثار المشروع عاصفة في مصر ، لاسيما في البرلمان ، وكان المأخذ أن هذاالمشروع من شأنه تشويه الأهرامات فتخلت عنه الحكومة المصرية وارتدت الشركة الأوربيةs.p.pعلى الحكومة المصرية بدعوى تحكيمية تطالبها بالعطل والضرر لإخلالها بالتزاماتهاالتعاقدية وعدم إنفاذها للعقد ، وطرح موضوع العقد التحكيمي هل هو صحيح أم أنه باطل، وبحث المحكمون أول ما بحثوا اختصاصهم واعتبروا أنفسهم مختصتين للنظر في النزاع ،وانحصر موضوع النزاع كله في معني توقيع الوزير على العقد .
أدلت الحكومة المصرية بأن توقيع الوزير هو عمل شكليإداري بموجبة تخول سلطة الوصاية (أي الوزارة ) هيئة السياحة والفنادق المصرية ،وردت الشركة أنه طلبت توقيع الوزير على العقد لإثبات التزام الحكومة المصرية به ،وكان مكان التحكيم باريس ، وصدر الحكم التحكيمي في باريس يعطي للشركة الأوربية12500000 دولار ، تقدمت الحكومة المصرية بطلب إبطال الحكم التحكيمي أمام المحاكمالفرنسية مدلية ، بغياب العقد التحكيمي كسبب للبطلان ، وفقاً لقانون التحكيم الدوليالفرنسي ، أبطلت المحاكم الفرنسية الحكم التحكيمي على أساس أن المحكمين نظروابالدعوى دون أن يكون هناك عقد تحكيمي ، كما أبطلت المحكمة القضائية الفرنسية قرارالمحكمين باعتبار أنفسهم مختصين للنظر بالنزاع الذي بني على أن هناك عقد تحكيميصحيح ، وهكذا أبطلت المحكمة القضائية الحكم التحكيمي برمته (34) .
عدم صحة اتفاق التحكيم - الجزء الثاني
1- أن يكون موضوع اتفاق التحكيم قابلاً للحل بالتحكيم .
يعد هذا العنصر من أهم عناصر اتفاق التحكيم ، لذلك غالباً ماتحدد قوانين الدول المسائل التي جوز حلها عن طريق التحكيم ، وبالتالي يعد الاتفاقعلى التحكيم بشأنها صحيحاً ، والمسائل التي لا يجوز حلها عن طريق التحكيم وبالتالييعد الاتفاق على التحكم بشأنها باطلاً ، وبالتالي يجب النظر إلى هذه المسألة فيقانون كل دولة ، والملاحظ أن بعض الدول تأخذ موقفاً مشجعاً للالتجاء إلى التحكيم ،وبالتالي تجعل الأصل فيه جواز ذلك في كافة المسائل مع وجود إستثناءات محدودة مقررةعلى سبيل الحصر في أضيق نطاق ممكن كما هو الحال في الدول الأنجلو أمريكيةوالاسكندنافية ، وعلى العكس تماماً فإن هناك دول تقف من التحكيم موقفاً حذراًباعتباره طريقاً استثنائياً مما ينعكس في توسيع نطاق المسائل التي يجوز التحكيمبشأنها واستعمال عبارات معروفة بأنها غير منضبطة الحدود في هذا المجال مثل فكرةالنظام العام كما هو الحال في غالبية الدول اللاتينية والعربية ، وتوسطت دول أخريوأخذت بحلول توفيقية عن طريق النص على تحديد المسائل التي لا يجوز في شأنها التحكيمعن طريق نصوص القانون الداخلي أو الاجتهاد القضائي كما هو الحـال في فرنسا وإيطالياواليابان ومصر (35) .
ولم تفصح اتفاقية نيويورك المسائل التي يجوز حلهاعن طريق التحكيم ، أو تلك التي لا يجوز حلها عن طريق التحكيم حيث اكتفت بالإحالةإلى قانون الدولة التي يطلب إليها تنفيذ حكم التحكيم لمعرفة إذا كان قانون هذهالدولة يجيز حل النزاع الصادر فيه حكم التحكيم المراد تنفيذ من عدمه (36) ، ويعدهذا الشرط في حد ذاته حالة من الحالات التي يرفض فيها تنفيذ حكم التحكيم الأجنبيالذي تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ، ولذا نكتفي بما ذكرناه ، وسنعود للكلام عليهتفصيلاً عند تناول حالات رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي التي يقضي بها القاضي منتلقاء نفسه في المطب الثاني .
2- أنيكون هناك نزاع ناشئ عن علاقة قانونية محدده .
من الطبيعي أنالاتفاق على اللجوء إلى التحكيم يجب أن يكون لحل نزاع وان يكون ذلك النزاع بصددعلاقة قانونية محددة سواء كانت علاقة تعاقدية أو غير تعاقدية ، وإذا كان من الشائعأن يرد اتفاق التحكيم بمناسبة علاقة تعاقدية إلا أنه لا يوجد ما يمنع من ورود اتفاقالتحكيم بمناسبة علاقة غير تعاقدية ، مثل التعويض عن العمل غير المشروع ، أو عنالإثراء بلا سبب ، أو التصادم البحري ، أو المسئولية عن حوادث النقل البري والبحريوالجوي ، وما إلي ذلك من مجالات حديثة يلعب فيها التحكيم دوراً مهماً (37) ، وهذاهو ما نص عليه كل من قانون التحكيم المصري الجديد في المادة 10/1 ، وقانون التحكيماليوناني في المادة 868 مرافعات ، والقانون التونسي في الفصل الثاني ، والقانونالنموذجي للانسيترال في المادة 70 واتفاقية نيويورك في المادة 2 (38) ، أما بعضالقوانين الأخرى فقد قصرت مجال اتفاق التحكيم عن العلاقة الناشئة عن عقد كالقانونالفرنسي في المادة 1442 مرافعات ، وقواعد الانسترال في المادة (39) ، وقواعد تحكيمغرفة التجارة الدوليةicc في المادة 3/2/ج والمادة 8/4 (40) ، والفارق بينالاتجاهين واضح حيث أن العلاقة القانونية في القوانين الأولي أوسع نطاقاً من العقد، وتطبيقاً لذلك فقد عرض على القضاء البريطاني قضية أقامتها شركةlonrho وشركة خطأنابيبmocambiqueضد شركةshle للبترول وشركةbpو27 شركة بترولية أخري مناسبة نكولهم عن استخدامخط الأنابيب المذكور بناء على موصفه المدعون بأنه عمل غير مشروع ناتج عن تآمر ، فقدلجأت الشركات البترولية إلى التمسك بضرورة إحالة النزاع إلى التحكيم استناداً إلىالمادة (22) من الاتفاقية المعروفة باسمshippers’ agreementالذي يتضمن اتفاقاً على اللجوء إلى التحكيم ، وانتهت المحكمة إلىقبول وجهة النظر هذه بعد أن تأكدت من أن صياغة اتفاق التحكيم تسمح بإدخال المطالباتالناشئة عن العمل غير المشروع في إطاره (41) ، ويثور التساؤل عن النزاع بصددالعلاقة القانونية المحددة الذي يبرر اللجوء إلى التحكيم وتأثير ذلك على الدعوىالتي يقيمها أحد أطراف اتفاق التحكيم أمام القضاء ومدى دخولها في مجال اتفاقالتحكيم من عدمه فقد عرض على القضاء البريطاني قضية متعلقة بهذا الشأن نعرض لهالأنها تفيد في تقريب وتحديد موضوع النزاع الذي يدخل في اتفاق التحكيم من عدمه فقدأبرمت شركة بريطانية مع شركة ألمانية عقداً للتعاون معاً في مجال تصنيع المنسوجاتوتضمن عقد الشركة تحكيم من شأنه إحالة جميع الخلافات التي قد تثور بين الطرفين إلىالتحكيم في ميونيخ ، وفى إطارا المعاملات بين الطرفين قامت الشركة البريطانيةبتوريد آلات صناعية تم دفع ثمنها بكمبيالات استحق بعضها وتم سداده وظلت الكمبيالاتالباقية تحت التحصيل في مواعيد استحقاقها ، وعندما نشأ خلاف بين الطرفين حول عدةأمور من بينها عدم قيام الشركة البريطانية بتنفيذ التزاماتها المتعلقة بالمعونةالفنية وكون الآلات الموردة معيبة ومستعملة على خلاف ما كان مشترطاً في العقد ،قامت الشركة الألمانية برفع الأمر إلى التحكيم مطالبة بالتعويضات المناسبة ، وعقبذلك لجأت الشركة البريطانية من جانبها إلى إقامة دعوى قضائية للمطالبة بقيمةالكمبيالات التي حلت تواريخ استحقاقاتها ولم يتم دفعها فتمسكت الشركة الألمانيةباتفاق التحكيم طالبة من المحكمة البريطانية وقف الإجراءات المقامة أمامها وإحالةالمطالبة بقيمة الكمبيالات إلي هيئة التحكيم باعتبار أنها موضوع دعوى مضادة مرفوعةأمام هيئة التحكيم ، فرفضت محكمة أول درجة الأمر بوقف الدعوى المقامة للمطالبة سدادقيمة الكمبيالات على أساس أنها غير مجحودة وليست صحتها كورقة تجارية محلاً لأي نزاع، فقامت الشركة الألمانية باستئناف هذا الحكم ، فحكمت محكمة الاستئناف بوقف الدعوىالقضائية أمام المحاكم البريطانية باعتبار أن سبب الالتزام الصرفي هو بيع الآلاتللشركة الألمانية حيث صدرت الكمبيالات وفاء بثمنها ،وما دام عقد البيع مطروحاً علىهيئة التحكيم لتقدير مدي جودة الآلات واستحقاق الثمن المتفق عليه فإن الكمبيالاتالتي تمثل ذلك الثمن تعد من الأمور المتنازع عليها والتي تدخل بالتالي في إطارالتحكيم ، وعندما طعن بعد ذلك في هذا الحكم أمام مجلس اللوردات ، قضي بإلغاء حكممحكمة الاستئناف مستنداً إلى أن الأوراق التجارية لا تعد متنازع عليها ومحلا لخلافإلا في حالة واحدة وهي صدورها بناء على غش ، وبالتالي ففي غير هذه الحالة لا يجوزاعتبار قيمتها محلاً لخلاف بين الساحب والمسحوب عليها وإلا انهارت الثقة فيالكمبيالات وما في حكمها (42) .
هذه هيشروط صحة اتفاق التحكيم من حيث كونه تصرف قانوني والتي إذا ما توافرت أنتج اتفاقالتحكيم أثره ، وألزمت محاكم الدول المنتمي إليها أطرافه بالاعتراف به والامتناع عننظر النزاع موضوع اتفاق التحكيم وإحالة الأطراف إلى التحكيم .
ويجب أن نلاحظ أنه قد يكون هناك عناصر أخرى لصحةاتفاق التحكيم بحسب القانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم ، وإنما عنينا بالإشارة إلىالعناصر السابقة بوصفها موضع تقدير من القانون والقضاء في مختلف الدول .
ومن العناصر الأخرى اللازمةلصحة اتفاق التحكيم تعيين أسماء المحكمين ، وقد أثار هذا العنصر خلافاً كبيراً بينالشراح المصريين ، حيث أن منهم رأي صحة اتفاق التحكيم الخالي من تعين أسماءالمحكمين على أساس أن القانون المصري لم يجعل من تخلف هذا العنصر سبباً لبطلانالحكم التحكيمي (43) وأن ومنهم من رأي بأن تعيين أسماء المحكمين يعد ركنا من أركاناتفاق التحكيم لا ينعقد بدونه ، ويترتب على ذلك لزوماً الحكم بطلان اتفاق التحكيمإذا ما كان خالياً من أسماء المحكمين ولم يتم تعينهم في مرحلة لاحقة في اتفاق مستقل (44) ، ولم يكن الخلاف بين الشراح المصريين بشأن هذا العنصر أقل من الخلاف بينالمحاكم المصرية حيث ذهبت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية إلي أن ( الثابت أنه لميتم تحديد أسماء المحكمين أو المحكم في اتفاق مستقل أو لاحق لمشارطه التحكيم ومن ثمفإن الاتفاق على التحكيم في الدعوى الماثلة لم يستكمل شروطه وبالتالي فإن الدفعبعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لوجود شرط التحكيم يكون قد قام على غير سند منالقانون وترفضه المحكمة (45) ويتضح من هذا الحكم أنه رتب بطلان اتفاق التحكيم جزاءعلى مخالفة شرط تعيين أسماء المحكمين وذهبت محكمة استئناف الإسكندرية إلي أن ( عدمتضمين شرط التحكيم أسماء المحكمين لا يترتب عليه بطلان شرط التحكيم سواء في ذلك أنيكون متفقاً على إجراء التحكيم في الداخل أو في الخارج ) (46) .
وفى رأينا أن الخلاف الناشئبين الشراح المصريين وبين المحاكم المصرية ناتج من الطريقة التي صيغت بها المادة 503 من قانون التحكيم المصري ، حيث لم تنص في الفقرة الثالثة التي تناولت أسبابالبطلان على البطلان كجزاء على عدم تعيين أسماء المحكمين في اتفاق التحكيم أو فياتفاق مستقل ، ومع ذلك نصت في الفقرة الثانية من نفس المادة على البطلان لمخالفةقاعدة الوترية ، حيث يصعب في رأينا الجمع بين الفقرتين بطريقة توضح مقصد القانونالمصري ، وعلى كل فإن اتفاق التحكيم كغيرة من الاتفاقات لابد أن يستند إلى قانونمعين يمده بقوته الملزمة وينظم وجودة وصحته ومصيره فإننا نرى هذا الخلاف لا تظهرأهميته إلا عند التمسك بالدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر النزاع لوجود اتفاق التحكيمبينما بعد صدور حكم التحكيم لا يمكن التمسك ببطلان حكم التحكيم لبطلان اتفاقالتحكيم ما لم يكن قد تم التمسك بداية بالدفع بعدم صحة اتفاق التحكيم أمام محكمةالتحكيم في بداية نظر النزاع ورفضته محكمة التحكيم واستمرت في نظر النزاع لأنالبطلان الناشئ على عدم صحة اتفاق التحكيم في هذه الحالة هو بطلان نسبي يجب التمسكبه من صاحب المصلحة في بداية نظر النزاع ، فقبول الخصوم المثول أمام محكمين معينينبالرغم من عدم تعينهم من قبلهم في اتفاق التحكيم أو اتفاق لاحق يعني تنازلهم عنالتمسك بهذا البطلان .
وبالتاليفي مقام تحليلنا لحالة بطلان حكم التحكيم لعدم صحة اتفاق التحكيم نقول في النهايةأنه يجب التمييز بين الحالات التي يكون فيها اتفاق التحكيم غير صحيحاً للوقوف علىالغاية منها ، فمثلاً قد يكون اتفاق التحكيم غير صحيح لعدم كتابته ، ولما كانتالكتابة شرط لإثبات اتفاق التحكيم فإنه الاتفاق يكون صحيحاً متي كان ثابتاً بطريقةقاطعة من مسلك الخصوم في خصومة التحكيم كما إذا رفع المدعي دعوى إلى التحكيم ولميعترض المدعى عليه على ذلك ، فما الفائدة من بطلان اتفاق التحكيم لعدم كتابته بينمايستفاد من موقف الطرفين إقرارهما بوجودة وبمضمونه ، وكذلك أيضاً قد يكون اتفاقالتحكيم باطلاً لوقع إرادة أحد الطرفين في غلط ، فإذا ثبت بطريقة قاطعة تتضح منمسلك الخصوم علم الطرف الذي وقع في هذا الغلط بهذا الغلط ولم يتمسك به ، فإن اتفاقالتحكيم يكون صحيحاً ، بعكس حالة عدم صحة اتفاق التحكيم لأن موضوع اتفاق التحكيمغير جائز حله عن طريق التحكيم حيث أن اتفاق التحكيم في هذه الحالة يكون غير صحيحاًلبطلانه بطلاناً مطلقاً لتعلقه بالنظام العام .
لذلك يمكن لنا في النهاية أن نضع قاعدة مهمة في حالةبطلان حكم التحكيم لعدم صحة اتفاق التحكيم وهي ، أن الدفع ببطلان حكم التحكيم لعدمصحة اتفاق التحكيم يجوز إثارته لأول مرة من خلال دعوى البطلان متي كان عدم صحةاتفاق التحكيم راجع إلى كون اتفاق التحكيم غير جائز حله عن طريق التحكيم أما إذاكان عدم صحة اتفاق التحكيم راجع إلى أسباب أخرى ، فإنه لا يجوز إثارة ذلك من خلالدعوى البطلان ما لم يتم التمسك به قبل ذلك أمام محكمة التحكيم .
الهوامش:
(3) غير أنه في إيطاليا تنصالمادة 789 من قانون المرافعات على جواز مراجعة القرار الأجنبي المطلوب تنفيذه فيظروف معينة ، غير أن محكمة النقض الإيطالية قالت أن المادة المذكورة لا تنطبق علىأحكام التحكيم الأجنبية - عزت البحيري ، تنفيذ أحكام التحكيم ، رسالة دكتوراهبإيطاليا ، 227 .
(4) فقد حكمت المحكمة السويدية العليا برفضاعتراض المحكوم عليه الليبي على طلب تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضده ، والذي تقدمالمحكوم له لتنفيذه في السويد ، حيث تمسك المحكوم عليه الليبي بطلب بطلان الحكمالتحكيمي لأن المحكمين قد تناقضوا في أسباب حكمهم الصادر ضده ، حيث ذكروا أنه كانمعذوراً في رفض استلام السفن المصنوعة بواسطة المحكوم له ، ومع ذلك حكموا فيالنهاية على المحكوم عليه الليبي بتسلم السفن التي قام بصنعها المحكوم له .
(5) غير أن ذلك لا يمنع المحكوم عليه في هذه الحالة إذا ما أراد أنيتمسك بهذه العيوب من رفع دعوى ببطلان الحكم التحكيم أمام محاكم الدولة التي صدرفيها الحكم ، كما حدث في الحكم السابق حيث قام المحكوم عليه الليبي برفع دعوىببطلان حكم التحكيم أمام المحاكم الفرنسية لأن فرنسا بلد إصدار الحكم ، إلا أن طعنهقوبل بالرفض لأسباب أخرى .
(6) وشرط التحكيم هو نص وارد ضمن نصوص عقدمعين يقرر الالتجاء إلى التحكيم كوسيلة لحل المنازعات التي قد تثور مستقبلاً بينالمتعاقدين حول العقد وتنفيذه.
(7) ومشارطه التحكيم هي عبارة عن اتفاقيبرمه الأطراف منفصل عن العقد الأصلي وذلك للجوء إلى التحكيم في صدد نزاع قائم
فعلاً بينهما .
( ومن الجدير بالذكر أنه لا أهمية للتفرقة بين شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم ،لأنهما ليس في الواقع سوى اتفاق تحيكم وطبيعتهما القانونية واحدة ، والواقع أن شرطالتحكيم هو الأكثر شيوعاً من الناحية العملية ، حيث تبين أن ما يقرب من 80% من عقودالتجارة الدولية أصبحت تتضمن شرطاً تحكيمياً . ناريمان عبد القادر ،اتفاقالتحكيم ، دراسة مقارنة، ط1 ، ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1996م ) 45 .
(9) سامية راشد ،التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1984م ) ، 309 .
(10) غير أن ذلك لا يمنع من القول بوجود تحيكم إجبارييفرضه الشارع على الخصوم ويضع القواعد المنظمة لأحكامه ، ومن أمثلة ذلك التحكيم فيمنازعات القطاع العام الذي نظمه القانون المصري بالقانون رقم 60 لسنة 1971م - وحتىفي هذا النوع من التحكيم لا يمكن القول بأن التحكيم خلى من طبيعة الإرادية لأنإرادة الأطراف لا تنمحي تماماً ، إذ يجب أن يكون لإرادتهم أثراً ، وإلا كان قضاءدوله ، فكل ما يفرضه الشارع في التحكيم الإجباري ، هو التحكيم ذاته من حيث المبدأ ،ويترك للأطراف حرية تنظيم عملياته كلها أو بعضها . ناريمان عبد القادر ،المرجعالسابق، 58 .
(11) مصطفيمحمد الجمال ، وعكاشة محمد عبد العال ،المرجع السابق، 299 .
(12) انظر في الاتجاهاتالمختلفة في هذا المقام لدى : فوزي محمد سامي ،التحكيم التجاري الدولي، ط2، ( عمان : دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1992م ) ، 188 وما بعدها .
(13) مجموعة أحكام محكمةالنقض المصرية لسنة 36 قضائية، حكم رقم 279 ، 1416 .
(14) وقد حاول البعض التغلب على هذه الصعوبة بالقولبوجوب إعمال قواعد الإسناد في قانون مقر التحكيم ، بينما ذهب البعض الأخر إلى تركالحرية للمحكم لتحديد ذلك القانون . انظر ذلك تفصيلاً لدى : مصطفي محمد الجمال ،وعكاشة محمد عبد العال ،المرجع السابق، 308 .
(15) محمود السيد عمر التحيوى ،عقد التحكيموإجراءاته ، رسالة دكتوراه ( جمهورية مصر العربية : جامعة المنوفية ، كليةالحقوق ، 1995 ) ، 374 – 376 .
(16) المرجع السابق، 232- 234 .
(17) محمد نور عبد الهادي شحاته،المرجع السابق، 306 .
(18) وإذا كان القانون المصري قد تطلب الكتابة لصحةاتفاق التحكيم ، إلا أنه يفهم من نص المادة الثانية عشر من قانون التحكيم الجديدوالتي تنص على " يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً ، ويكون اتفاقالتحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان منرسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة " أنه لم يشترط شكلاً معيناًلهذه الكتابة .
(19) مصطفى محمدالجمال ، وعكاشة محمد عبد العال ،المرجع السابق، 377 .
(20) عزت البحيري ،المرجعالسابق، 245 .
(21) ساميةراشد ،المرجع السابق، 242- 243 ، ويبدو لي أن هذه العلة التي قال بهاالقضاء الإيطالي لرفض تنفيذ حكم التحكيم المشار إليه في المتن ، لم تكن هي بمفردهاوبالطريقة المصاغة بها من قبل المؤلفة القاضية برفض الطعن بالبطلان ، وإذا كانالأمر كذلك فيمكن لي القول أن محكمتي الاستئناف والنقض الإيطاليين لم تكونا موفقتينفيما قضيا به لأنه عند إثارة الطعن ببطلان اتفاق التحكيم ، يجب البحث كمسائلة أوليةعلى القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم لمعرفة صحته من عدمه طبقاً للفقرةأ/1/5 من اتفاقية نيويورك ، وعلى هذا إذا كان القانون الإيطالي هو الواجب التطبيقعلى اتفاق التحكيم في هذا الحكم كان لدفع المدعى عليها محلاً وسنداً من الاتفاقيةنفسها لأنها تحيل إلى القانون الإيطالي في تقدير صحة اتفاق التحكيم ، ومن ثم يكونالحكم متناقضاً مع نفسه لأنه في الوقت الذي يتمسك به في الاتفاقية لإهمال القانونالإيطالي ، نجد أن الاتفاقية تشير إلى تطبيق القانون الإيطالي ، ولكن عموماً يبدولي أن القانون الإيطالي لم يكن هو القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ،وإنما القانون الإنجليزي لكون التحكيم قد تم في بريطانيا وقد لا يشترط القانونالإنجليزي في اتفاق التحكيم ما أشارت إليه الطاعنة في المواد 1341 ، 1342 منالقانون الإيطالي .
(22)راجعتفصيلاً هذا الأمر لدى محسن شفيق ،القانون التجاري المصري، ط1 ، ج2 ( القاهرة : دار النهضة العربية : 1951 ) ، 460 .
(23) عزت البحيري ،المرجع السابق، 239 .
(24) المادة 5/1/أ من الاتفاقية .
(25) عصام الدين القصبي ،المرجع السابق، 75 .
(26) المرجع السابق، 333 .
(27) سامية راشد ،المرجعالسابق، 323 .
(28) ساميةراشد ،المرجع السابق، 330 .
(29) المرجع السابق، 312 .
(30) غير أنه يجب ملاحظة ماتقضي به نظرية امتداد البطلان إذا تبين من الظروف إن إرادة المتعاقدين ما كانتلتنتهي إلى إبرام العقد الأصلي فيما لو كان قد تبين أن شرط التحكيم باطل عندالتعاقد .
(31) سامية راشد ،المرجع السابق ، 313 ، حيث تري سعادتها أن الترجمة العربية لنص المادة 5/ا/أ منالاتفاقية قد خرجت إلى حد ما عن الأصل المعتمد ، حيث ورد بالترجمة العربية الرسميةوالتي أعتمد فيها على المحلق المنشور لدي عبد الحميد الأحدب ، في المرجع السابق ، 380 - أنه لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليهبالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم الدليل على " أن أطراف الاتفاق المنصوص عليه فيالمادة الثانية كانوا طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية أو أن الاتفاقالمذكور غير صحصح وفقاً للقانون الذي أخضعه له الأطرافأو عند عدم النص علىذلكطبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم فقد خرجت عبارة ( أو عدم النص علىذلك ) إلى حد ما عن الأصل المعتمد الذي هو ( أو غياب أية إشارة إلى ذلك ) ، وهناكفارق بين عدم النص على اختيار القانون الواجب التطبيق وبين غياب أية إشارة ذاتدلالة في شان اختياره ، فالعبارة الأخيرة تغطي بالضرورة الاختيار الضمني ، بينمايصعب تفسير العبارة الأولي على نحو يضم أية صورة أخرى غير الاختيار الصريح .
([1][1]) اعتمدت في هذا الحكم على سامية راشد ،المرجع السابق، 313 .
(32) رضامحمد إبراهيم عبيد ،شرط التحكيم في عقود النقل البحري، مجلة الدراساتالقانونية ، كلية الحقوق جامعة أسيوط ، ع ،6 يونية 1984م ، 207 .
(33) سام
بحث مطول عن عدم صحة اتفاق التحكيم
الجزء الاول
مقدمــة:
الحمد لله رب العالمين ، والشكرله على ما أنعم وأولى ، فإنه أجدر بالشكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله الصادق وعده ووعيده ، أوضح سبيل الهدى ، وأزال ظلمالشك والضلال فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه البررة ، وبعد .... فإنالاشتغال بالعلم والبحث من أفضل الطاعات ، وهو من أسباب الرفعة في الدنيا والآخرةلمن أخلص وابتغى وجه الله فقال عز من قائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَاقِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْوَإِذَا قِيلَ انشُرُوا فَانشُرُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْوَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ،وإذا كان هذا هو فضل العمل والعلماء ، فقد جعل لطالب العلم من الفضل ما لا يقل عنذلك ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهلالله له طريقا إلى الجنة وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما صنع ) .
بداية لا أدعي أن اخترت تلك الموضوعاتحول التحكيم لأشيد بناء لم يكن موجوداً ، ولا لأتدارك موضوعاً من العلم كان مفقوداً، لأنه لا يكاد يخلو أي مؤلف في التحكيم مما ذكرت ، فالأساس موجود والبناء مشيد ،ولكني أردت أن يوفقني الله في ربط الواقع العملي بذلك الأساس من واقع القضايا ،وأسأل الله تعالي أن يجعل عملي خالصاً لوجهه وأن يبرئه من كل رياء ظاهر وخفي وأنينفع به .
عدم صحة أتفاق التحكيم :
قد يكون الاتفاق على التحكيمفي صورة شرط التحكيم (6) ، وقد يكون في صورة مشارطه التحكيم (7) ، وفى كل منالصورتين فإن الاتفاق على التحكيم هو الذي يجعل النزاع المتفق عرضه على التحكيم غيرجائز نظره من قبل محاكم الدولة ( ، ومن هنا حرصت القوانين الداخلية في كل دولهعلى النص على ضرورة وجود اتفاق صحيح على التحكيم حتى يمكن الأمر بتنفيذ حكم التحكيمالصادر بناء على هذا الاتفاق.
ولما كان الاتفاق على التحكيم هو تصرف قانوني شأنه فيذلك شأن أي تصرف قانوني أخر حيث أنه تصرف إرادي ينصب على محل معين لإحداث أثرقانوني معين (9) ، (10) ، فإنه كغيرة من الاتفاقات لابد أن يستند إلى قانون معينيمده بقوته الملزمة وينظم وجوده وآثاره ومصيره (11) ، لذلك فإن القانون الذي يخضعله اتفاق التحكيم هو الفيصل في كل ما يتعلق بوجوده وصحته .
ويكشف تتبع الفقه والقضاء عن وجود اتجاهين رئيسيين فيتحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ، أحدهما ينحاز إلى تطبيق قانونمقر التحكيم والآخر ينحاز إلى تطبيق قانون الإرادة الحاكمة للعقود بصفة عامة (11) ،وقد أخذت محكمة النقض المصرية بالاتجاه الأول وقالت في حكم لها : " بأنه لما كان منالثابت أن شرط التحكيم المدرج في سند الشحن قد نص على أن يحال أي نزاع ينشأ عن هذاالسند إلى ثلاثة محكمين في مرسيليا وكان المشرع قد أقر الاتفاق على إجراء التحكيمفي الخارج ، ولم ير في ذلك ما يمس النظام العام فإنه يرجع في شأن تقرير صحة شرطالتحكيم وترتيب آثاره إلى قواعد القانون الفرنسي باعتباره قانون البلد الذي اتفقعلى إجراء التحكيم فيه " (12) ، ومن الواضح أن هذا الاتجاه ينبع من الطبيعةالقضائية للتحكيم لأنه يتجاهل أن اتفاق التحكيم عقد كسائر العقود ، وأن العقد يجبأن يخضع لقواعد الإسناد في تنازع القوانين لتحديد القانون الواجب التطبيق لمعرفةصحته من عدمه ، ومن الواضح أيضاً إذا ما سايرنا هذا الاتجاه أننا سنجد تنوع فيالحلول بحسب الوقت الذي يتم فيه تقدير صحة اتفاق التحكيم من عدمه ، فإذا أثير البحثعن ذلك بمناسبة دفع بعدم اختصاص القضاء لسبق الاتفاق على التحكيم ، فسوف يطبقالقاضي الذي يثار أمامه ذلك الدفع قانونه باعتباره القانون الذي يطبق على إجراءاتالتقاضي ، أما إذا أثير البحث عن ذلك بعد صدور الحكم من خلال دعوى البطلان فسوفيطبق القاضي الذي ينظر في هذا الدفع قانون البلد الأجنبي الذي تمت فيه إجراءاتالمحاكمة بوصفة القانون الذي تمت المحاكمة في ظله .
أما عن الاتجاه الثاني والذي يقرر خضوع اتفاق التحكيملقانون الإرادة لتقدير صحته من عدمه فهو ينطلق من الاتجاه الذي يشايع الطبيعةالتعاقدية للتحكيم ولذلك قد يكون ذلك القانون هو قانون البلد الذي يجري فيه التحكيمأو أي بلد أخر بحسب اتفاق الأطراف ، وبحسب قواعد الإسناد في ذلك القانون التي قدتشير إلى قانون الجنسية المشتركة أو قانون الموطن المشترك أو قانون البلد الذي تمفيه العقد ، أو قانون البلد الذي يتم فيه تنفيذ العقد ، ومن الواضح أن هذا الاتجاهيؤدي إلى توحيد الحلول القضائية بشأن تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاقالتحكيم لتقدير صحته من عدمه سواء كان بحث ذلك أثناء الدفع بعدم الاختصاص أو منخلال الدفع بالبطلان من خلال دعوى البطلان بعد صدور حكم التحكيم ، ولكن قد يسفر هذاالاتجاه عن صعوبة ليست بالهينة في حالة عدم وجود اتفاق بين الأفراد على تحديدالقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم (13) .
أما على مستوى الاتفاقات الدولية فقد نصت اتفاقيةنيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية من خلال المادة 5/1/1 على أن تحديد القانونالواجب التطبيق على اتفاق التحكيم لتحديد صحته من عدمه يكون طبقاً لاتفاق الأطراف ،فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق يتم تطبيق قانون محل صدور حكم التحكيم ، وبذلك يتضحأن اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية قد جمعت بين الاتجاهين السائدينفي هذا المجال ، بحيث يكون الاتجاه الأول احتياطياً للاتجاه الثاني .
والواقع أن الاتجاه الثانيالذي يقضي بخضوع اتفاق التحكيم لقانون الإرادة لا يعني تمتع الأطراف بالحريةالكاملة طبقاً لما يوحيه ظاهر الاتجاه لأن ذلك يتوقف على العناصر التي يلزم منوجودها صحة اتفاق التحكيم ، لأن بعض القوانين تتطلب عنصر الكتابة كشكل لازم لإثباتاتفاق التحكيم بحيث يلزم من تخلفها بطلانه ، فلا يمكن مثلاً للأفراد تجاهل هذاالعنصر عند اختيارهم لقانون يحكم اتفاق التحكيم لا يتطلب عنصر الكتابة لصحة اتفاقالتحكيم ، وكذلك أيضاً عنصر قابلية النزاع للحل عن طريق التحكيم فلا يمكن للأفرادالاتفاق على حل نزاع معين عن طريق التحكيم ويخضعان اتفاق التحكيم لقانون يجيز حلمثل ذلك النزاع عن طريق التحكيم في حين أن القانون لا يجيز من الأصل حل ذلك النزاععن طريق التحكيم .
ويكاد يجمعالشراح والقوانين على أن هناك عناصر معينة في اتفاق التحكيم يجب توافرها حتى يكونصحيحاً وهى على النحو:-
1- أن يكون مكتوباً
إذا كانتالقاعدة العامة في شأن اتفاق التحكيم تقضي بخضوعه للقانون الموضوعي المطبق علىالعقد (14) ، لذلك يجب الرجوع إلى مثل هذا القانون لمعرفة مدى تطلبه شرط الكتابةلصحة اتفاق التحكيم من عدمه ، وباستقراء مواقف قوانين الدول من النص على هذا الشرطنجد أنها اختلفت وتباينت فمجموعة الدول ذات التقاليد اللاتينية سعت إلى إحاطة اتفاقالتحكيم بضمانات معينة وإدخاله في دائرة التصرفات التي يجب إفراغها في شكل معينكالهبة والوصية والصلح ومن ثم تطلبت شرط الكتابة لصحة اتفاق التحكيم ، وذلك حتىيمكن التحقق من إرادة الأفراد قد اتجهت بالفعل إلى الالتجاء إلى التحكيم .
وعلى النقيض تماماً فإن الدول ذاتالنظم الانجلوسكسونية لم تجد مبرراً يوجب إخضاع اتفاق التحكيم لشكل معين فأخضعتهللقواعد العامة التي تحكم التصرفات القانونية ، واكتفت بتدخل القاضي للتحقق منانصراف إرادة الأطراف إلى اللجوء للتحكيم في حالة ما إذا كان الاتفاق شفهياً أويمكن استخلاصه ضمناً من الظروف القائمة (15) ، فعلي سبيل المثال يجري قضاء محكمةاستئناف باريس على أن انعدام الكتابة في حد ذاتها لا يترتب عليه بطلان مشارطهالتحكيم ، حيث يمكن التحقق من وجود مشارطه التحكيم من مسلك الخصوم أثناء سير خصومةالتحكيم ، فإذا شارك الخصوم في خصومة التحكيم بدون أي تحفظ أو اعتراض على وجودمشارطه التحكيم أمكن القول بموجود اتفاق صحيح على التحكيم (16) .
وقد أختلف قوانين الدولالعربية في النص على هذا العنصر ، فالقانون المصري يتطلب الكتابة لصحة اتفاقالتحكيم من خلال نص المادة 12 من قانون التحكيم الجديد (17) ، وكذلك القانونالكويتي من خلال نص المادة 173/2 من قانون المرافعات ، وكذلك قانون الإماراتالعربية المتحدة من خلال المادة 203/3 من قانون الإجراءات المدنية ، أما القانوناللبناني فيفهم من نص المادة 766/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية أن الكتابة شرطللإثبات .
أما بخصوص هذا العنصرعلى مستوى التنظيمات الدولية الموحدة ، فإن بروتوكول جنيف لعام 1923م واتفاقية جنيفلعام 1927م ، قد رأيا أن يتركا الأمر لتقدير كل دولة حسب قانونها الداخلي بالإحالةإلى التشريع الوطني لكل دولة لتحديد شروط إثبات اتفاق التحكيم ، ولكن اتفاقيةنيويورك لعام 1958 حسمت هذا الأمر بالنص صراحة في المادة الثانية على ضرورة الكتابةلصحة اتفاق التحكيم (18) ، والكتابة في هذه الحالة تعد شرط لصحة الاتفاق وليستدليلاً للإثبات ، ولا يكفي أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً بل لا بد أن يكون موقعاًعليه من الطرفين ، وتعترف الاتفاقية كذلك بالخطابات أو البرقيات المتبادلة بينالأطراف دون اشتراط وجود عقد مسايرة لضرورات التجارة الدولية بموجب المادة 2/2 ،أما بالنسبة للاتفاقيات المتبادلة عن طريق الفاكس ، فلم تنص المادة 2/2 منالاتفاقية على هذا النوع من طرق الاتصال ، ولكن لا يوجد ما يمنع من الاعتراف بهذهالوسيلة من وسائل الاتصال حيث اعترفت القوانين الوطنية الحديثة بوسائل الاتصالالمكتوبة كالفاكس مثل قانون التحكيم المصري رقم 27لعام 1994م في المادة (12) ،والقانون الإيطالي لعام 1994م في المادة (807) (19) .
ومن التطبيقات القضائية المهمة بخصوص هذا الشرط :
قامت شركة إيطالية باستئجارسفينة مملوكة لشركة مسجلة في بنما ومملوكة لمصالح يونانية ونص في عقد الإيجارالمطبوع على التحكيم في لندن ، وعندما نشأ نزاع بين الطرفين امتنعت الشركةالإيطالية عن تعيين محكمها أو الاشتراك في إجراءات التحكيم ، فأصدرت محكمة التحكيمحكماً لصالح مالك السفينة ، وتقدم مالك السفينة بهذا الحكم لتنفيذه على المحكومعلية ( الشركة الإيطالية ) في إيطاليا ، فتمسكت الشركة الإيطالية أمام محكمةاستئناف تريستا الذي طرح عليها طلب الأمر بالتنفيذ ، ببطلان اتفاق التحكيم في هذاالنطاق لعدم توافر ما تتطلبه المادتين 1341و1342 من القانون الإيطالي التي تشترطانفي العقود التي تتضمن شروط عامة مطبوعة أن يقوم الأطراف بالتوقيع على شرط التحكيمذاته توقيعاً خاصاً بحيث لا يكفي التوقيع بصفة عامة على العقد في مجموعه فرفضتمحكمة استئناف تريستا هذا الطعن وقالت أن التنفيذ يتم وفقاً لاتفاقية نيويورك لعام 1958م وهي لا تتطلب شيئاً من هذا القبيل ، وأعادت محكمة النقض الإيطالية التأكيدعلى انطباق المادة الثانية من اتفاقية نيويورك (20) .
ونخلص مما تقدم أن الدول قد تباينت في النص علىاشتراط الكتابة في عقد التحكيم حسب سياستها التشريعية ، ولكن اتفاقية نيويورك قداشترطته صراحة بموجب المادة الثانية ، ونرى أن التشريعات التي اعتبرت الكتابة شرطلصحة اتفاق التحكيم كالتشريع المصري بقوله في المادة 12 من قانون التحكيم الجديد ( يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً ) ، لم تكن موفقة تمام التوفيقلأن الهدف من الكتابة هو الإستيثاق من أن إرادة الأطراف كانت واضحة وصريحة علىاللجوء إلى التحكيم ، وهو أمر قد يتحقق بوسائل أخرى غير الكتابة كرفع المدعى دعوىتحكيم وعدم اعتراض المدعى عليه على ذلك ، وعلى ذلك كان من الأجدر عدم ترتب البطلانكنتيجة مباشرة وتلقائية على عدم الكتابة كما فعل نص القانون المصري وعاود التأكيدعلى ذلك من خلال نص المادة 56 من ذات القانون باشتراط أن يرفق بطلب تنفيذ حكمالتحكيم صورة من اتفاق التحكيم المشار إليه في المادة 12، وكان من الأفضل اشتراطالكتابة ، أما تقدير البطلان من عدمه كنتيجة مباشرة وتلقائية على عدم الكتابة فكانمن الأجدر تركها للمحكم أو القاضي حسب الأحوال يعملها على حسب كل حالة طبقاًلمقتضيات الظروف ومن مسلك الأطراف في الدعوى ، أما تقدير البطلان مقدماً وصراحة منخلال النص ، فهو أمر قد لا يترك للمحكم أو القاضي أي سلطة تقديريه في تقرير البطلانمن عدمه ، ونتوقع أن يجتهد القضاء المصري في تفسير هذا النص بطريقه تحقق الحكمة منوجودة وخصوصاً إذا ما أثيرت مسألة البطلان في مرحلة ما بعد صدور حكم التحكيم ( عندالتنفيذ ، أو دعوى بطلان حكم التحكيم ) آخذاً في الاعتبار عنصري الرضائيه والحريةاللذين يسيطران على نظام التحكيم علماً بأن اتفاقية نيويورك لم تقرر البطلان كجزاءلعدم كتابة اتفاق التحكيم كما فعل المشرع المصري من خلال نص المادة 12 المشار إليه، حتى يمكن القول أن المشرع المصري أراد مسايرة اتفاقية نيويورك ، فصحيح أن اتفاقيةنيويورك اشترطت الكتابة لإثبات اتفاق التحكيم ، لكنها لم تقرر البطلان كجزاء لتخلفهذه الكتابة ، بل تركت ذلك حسب الأحوال وفقاً للقانون الواجب التطبيق على اتفاقالتحكيم ، وقالت في صدر المادة الخامسة أنه لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ حكمالتحكيم إلا في الأحوال الآتية أ- …. أن اتفاق التحكيم غير صحيح وفقاً للقانون الذيأخضعه له الأطراف … الخ .
2- صحة تراضي أطراف اتفاق التحكيم
التعبير عن الإرادة الذي يتمإفراغه كتابياً بما يفيد قبول التحكيم كوسيلة لحل المنازعات الحالة أو المستقبلةيصدر بالضرورة عن أشخاص أطراف التحكيم أو ممثليهم ، ومن هنا يجب التأكد من أهليتهمالقانونية لإبرام هذا النوع من التصرفات وسلامة رضاهم ، والأهلية المشترطة في طرفياتفاق التحكيم هي أهلية التصرف ، وأهلية التصرف لا تثبت بحسب الأصل إلا لمن بلغ سنالرشد غير محجور عليه لجنون أو عته أو سفه أو غفلة ، كذلك يجب ألا قد أشهر إفلاسهلأنه يترتب على شهر الإفلاس غل يد المدين عن التصرف في أمواله من تاريخ شهر الإفلاس، ومن ثم فإنه يمتنع الاتفاق على التحكيم اعتباراً من هذا التاريخ ، غير أن المنعلا يشمل بالطبع الأموال غير الداخلة في التفليسة (21) .
وعدم توافر أهلية أحد أطراف التحكيم يعد سبباً لبطلانالاتفاق على التحكيم وهذا أمر مفترض ، ونصت عليه اتفاقية نيويورك صراحة في المادة 5/1/أ .
والسؤال الذي يطرح نفسههنا ما هو القانون الواجب التطبيق على أهليه أطراف اتفاق التحكيم حتى يمكن الرجوعإليه لمعرفة أهلية أطراف اتفاق التحكيم ؟
باستقراء قوانين الدول في هذا الشأن نجد أن بعضهاتطبق على الأهلية قانون الجنسية بالنسبة للأفراد وقانون الموقع بالنسبة للأشخاصالمعنوية كقوانين البلاد ذات التقاليد اللاتينية ، والبعض الأخر من القوانين يطبققانون الموطن بالنسبة للأفراد وقانون بلد التأسيس بالنسبة للأشخاص الاعتباريةالعامة كقوانين البلاد ذات التقاليد الأنجلو سكسونية ، وقد تطبق بعض القوانينضابطاً موضوعياً وليس شخصياً مثل ضابط محل إبرام العقد المعمول به في الولاياتالمتحدة الأمريكية ، أو أن يكون قانون الأهلية هو القانون الذي يخضع له العقد بوجهعام (22) .
ولم تقرر اتفاقيةنيويورك مسألة القانون الواجب التطبيق على الأهلية بل تركت لمحاكم الدول المختلفةأن تطبق قواعد التنازع المعمول بها في كل دوله (23) ، ولعل السبب في عدم وضع قاعدةموحدة بخصوص أهلية أطراف التحكيم تخوف واضعي الاتفاقية من الدخول في مسألة تنازعالتكييفات ، ونظراً لاختلاف قواعد الإسناد ولتعذر وضع نصوص موحدة ، لذا فقد آثرواترك تقدير أهلية أطراف اتفاق التحكيم للقانون الذي تشير إليه قاعدة التنازع فيقانون الدولة المطلوب إليها التنفيذ (24) ، ومن ثم فإن اتفاقية نيويورك قد تركتللقاضي الذي يطرح عليه طلب الأمر بالتنفيذ – عند النظر في مسألة الأهلية لتقرير مديصحة الاتفاق على التحكيم صادر بناء على ذلك الاتفاق بيان ما هو القانون الذي يحكمأهلية طرفي الاتفاق على التحكيم ، فإذا كان الأمر مطروحاً على قاض فرنسي أو مصريمثلاً يأخذ نظامه القانوني بقانون الجنسية ، وجب تحديد مدى توافر أو عدم توافرأهلية الشخص وفقاً لقانون جنسيته ، أما إذا طرح الأمر على قاض بريطاني أو أمريكييأخذ نظامه القانوني بقانون الموطن ، فإن المناط عندئذ لتقرير مدى توافر أو عدمتوافر أهلية الشخص يكون بالقواعد الموضوعية في قانون موطن الشخص الطرف في اتفاقالتحكيم (25) .
والسؤال الذييطرح نفسه هنا ما هو الحال عند وجود قيود في القوانين الداخلية للدول تؤثر علىأهلية الأفراد عند إبرامهم لاتفاق التحكيم كما هو الحال في القانون الإيطالي الذيينص في المادة الثانية من قانون المرافعات على بطلان أي اتفاق تحكيم بين أشخاصإيطاليين أو متوطنين في إيطاليا لإجراء تحكيم خارج إيطاليا ؟ وكما هو الحال فيالقانون الفرنسي الذي ينص على حظر الاتفاق على التحكيم من قبل أشخاص القانون العامكالدولة وأجهزتها وهيئاتها العامة ؟ .
بالنسبة للحالة الأولي حسم القضاء الإيطالي الإجابةعلى هذا التساؤل بقول محكمة النقض الإيطالية مراراً في العديد من أحكامها بتقريروجوب الاعتراف بصحة الاتفاق على التحكيم في الخارج المبرم بن رعايا إيطاليين مقيمينفي إيطاليا أو بينهم وبين أجانب متوطنين في إيطاليا إعمالاً لاتفاقية نيويورك ،لأنه بالتصديق على الاتفاقية صارت جزء من النظام القانوني الإيطالي بحيث يجب تطبيقمضمونها باعتبارها تتضمن قواعد تسمو على القواعد الداخلية ، ولكانت الاتفاقية لمتشترط انتماء أطراف التحكيم إلى جنسية دولة معينة أو توطنهم في دوله ما كشرط لصحةاتفاق التحكيم ، فلا يجوز الادعاء بعدم صحة اتفاق التحكيم لأم أحد طرفية جنسيتهإيطالية أو متوطن في إيطاليا (26) .
وبالنسبة للحالة الثانية فقد استقر القضاء الفرنسيعلى أن القيود المذكورة تسري فقط في شأن المعاملات الداخلية ، ولكنها لا تمنع أشخاصالقانون العام من أن تكون طرفاً في اتفاق تحكيم ذي طبيعة دولية ، وأثيرت هذه الحالةأيضاً أمام المحاكم التونسية في نزاع طرح أمام القضاء التونسي حول صحة اتفاق تحكيمأبرم بين شركة الكهرباء والغاز التونسية وهي مؤسسة عامة وبين شركة فرنسية ، وتمسكتالشركة التونسية ببطلان اتفاق التحكيم على أساس أن القانون التونسي يحظر علىالمؤسسات العامة الالتجاء إلى التحكيم ، ورفضت المحكمة التونسية هذا الدفع واستندتإلى واقعة انضمام تونس لاتفاقية نيويورك ، وقررت أن الحظر القائم في القانونالداخلي لا يسري على الحالات التي يكون فيها الاتفاق على التحكيم متعلقاً بمعاملةدولية وخلصت المحكمة إلى صحة اتفاق التحكيم بغض النظر عن القيود التي يفرضهاالقانون الداخلي (27) .
ويجب أننلاحظ أن بطلان حكم التحكيم لبطلان اتفاق التحكيم لنقص أهلية أحد طرفية ، قد يكونبطلان مطلق وذلك إذا وجهت إجراءات المحاكمة إلى ناقص الأهلية نفسه أو باشرها بنفسه، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ، أما إذا وجهت إجراءات المحاكمة إلى ممثل أونائب ناقص الأهلية القانوني ، فإن البطلان يكون بطلان نسبي ، حيث يجب على الممثل أوالنائب القانوني أن يحضر إجراءات المحاكمة ويتمسك ببطلان اتفاق التحكيم لنقصالأهلية ، أما إذا حضر ولم يعارض في ذلك اعتبر اتفاق التحكيم صحيحاً من هذا الوجهلأن ذلك بمثابة إجازة من الممثل أو النائب القانوني لاتفاق التحكيم الذي وًّقعهناقص الأهلية وعلى ذلك يجب على الطرف الأخر تجنب مباشرة إجراءات قابلة للزوال بأنيوجه إجراءات التحكيم إلى نائب أو ممثل ناقص الأهلية من البداية كمحاولة لتصحيحالبطلان الذي أصاب اتفاق التحكيم لنقص أهلية الطرف الآخر .
ولا يكفي فقط أن يتمتع أطراف اتفاق التحكيم بالأهليةحتى يكون اتفاقهم على التحكيم صحيحاً ، بل يجب أيضاً أن تكون إرادتهم سليمة خاليةمن عيوب الرضا ( الغط ، والتدليس ، والإكراه والاستغلال ) ، وسلامة رضا طرفي اتفاقالتحكيم مطلب ضروري لتلاقي إرادة الطرفين على الاتفاق على التحكيم ، والتحقق منوجود الرضا و عدم وجودة وما يتعلق بصحته أو فسادة إنما هي أمور تخضع للقانون الذييحكم اتفاق التحكيم ذاته (28) ، والذي تجد الإشارة إليه حقاً في هذا النطاق أن هناكمبدأ يقتضي بإستقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي ، أي أن إبطال العقد الأصلي لعيبمن عيوب الإرادة لا يعني ذلك إبطال شرط التحكيم المحتوي عليه ذلك العقد بناء علىذلك العيب ، كما أن إبطال شرط التحكيم لعيب من عيوب الإرادة لا يعني ذلك إبطالالعقد الأصلي المحتوى على ذلك الشرط بناء على هذا العيب (29) .
ولم تتضمن اتفاقية نيويورك نص يعالج المشكلات التيتتعلق بركن الرضا في اتفاق التحكيم ، واكتفت بما ورد في المادة الخامسة من بيانقاعدة الإسناد التي يتم على أساسها تحديد القانون الواجب التطبيق على المسائلالمتعلقة بالرضا وهو القانون الذي أخضع الأطراف الاتفاق له ، وفى حالة غياب أيةإشارة إلى ذلك يكون قانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم (30) ، ولهذا يجب الرجوعبصفة أصلية إلى القانون الذي اختاره الأطراف صراحة أو ضمناً ليحكم اتفاقهم علىالتحكيم أو قانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم للحكم على كافة المسائل المتصلةبالتراضي وصحته .
وتطبيقاً لذلكفقد ذهبت المحكمة العليا الألمانية بمناسبة إدعاء طرف ألماني أمامها أن اتفاقالتحكيم تم توقيعه من قبله تحت ضغط اقتصادي ، إلى اتباع قاعدة الإسناد التي أوردتهاالمادة 5/1/أ من اتفاقية نيويورك ، والتي بإعمالها يتضح أن القانون الواجب التطبيقهو القانون التشيكي لكونه القانون الذي اختاره أطراف اتفاق التحكيم ، ولما كان هذاالقانون لا يعترف بالضغط الاقتصادي سبباً لبطلان اتفاق التحكيم ، فإن إدعاء الطرفالألماني يكون مرفوضاً ، وقررت ذات المعني أيضاً محكمة استئناف نابولي عندما دفعالمحكوم عليه أمامها بأن اتفاق التحكيم قد أبرم تحت تأثير الغش والتدليس ، وانتهتالمحكمة إلى ضرورة الرجوع إلي القانون الواجب التطبيق وفقاً لقاعدة الإسنادالمذكورة في اتفاقية نيويورك – المادة 5/1/أ والتي يتضح من خلالها أن القانونالنمساوي هو الذي تشير إلى تطبيقه قاعدة الإسناد (31) .
ولا يختلف الحال بالنسبة إلى الشخص الاعتباري - كقاعدة عامة ، لأن الرأي الراجح لدي الشراح هو الاعتراف للشخص الاعتباري بأهليةالأداء بالنسبة لحقوقه والتزاماته التي تدخل في الغرض من إنشائه (32) ، غير أنالأمر هنا يتم على خطوتين ، الخطوة الأولي التحقق من أن الشخص الذي وقع الذي وقعنيابة عن الشخص الاعتباري يملك سلطة التوقيع بأسمه على اتفاق التحكيم عن طريقالقانون الذي يحكم الشخص الاعتباري ، فإذا كان الشخص الاعتباري شركة وجب الرجوع إلىالقانون الذي يحكم الشركة وهكذا ، والخطوة الثانية التحقق من توافر الأهلية وسلامةإرادة ممثله وخلوها من عيوب التراضي ، فتحدد أهلية الشخص الاعتباري وصحة إرادةوفقاً للقانون الواجب التطبيق ، وقد خلت المادة 5/1/أ اتفاقية نيويورك من نص يدلصراحة على من له سلطة تمثيل الشخص الاعتبار في اتفاق التحكيم والتوقيع نيابة عنهولا عن أهليته وصحة إرادته ولكن الرأس استقر الحال على تطبيق ذات القواعد التيأوردتها المادة 5/1/أ من الاتفاقية على الشخص الطبيعي استصحاباً للحال على أساس أنالعبرة بالقانون الذي يحكم الطرف الأصيل الصادر التصرف باسمه (33) .
وتطبيقاً لذلك أثير هذا الموضوعفي قضية هضبة الهرم المصرية ، وتتلخص وقائع هذه القضية ، في أن شركة أوربية تدعيs.p.pأبرمت عقداً مع الهيئة المصرية للسياحة والفنادق من أجل بناء مركزيين سياحيينأحدهما في الأهرامات وصادق وزير السياحة على العقد بتوقيعه مع كلمات للموافقةوالمصادقة والاعتماد وتضمن العقد شرطاً تحكمياً يحيل إلى تحكيم غرفة التجارةالدولية ، وآثار المشروع عاصفة في مصر ، لاسيما في البرلمان ، وكان المأخذ أن هذاالمشروع من شأنه تشويه الأهرامات فتخلت عنه الحكومة المصرية وارتدت الشركة الأوربيةs.p.pعلى الحكومة المصرية بدعوى تحكيمية تطالبها بالعطل والضرر لإخلالها بالتزاماتهاالتعاقدية وعدم إنفاذها للعقد ، وطرح موضوع العقد التحكيمي هل هو صحيح أم أنه باطل، وبحث المحكمون أول ما بحثوا اختصاصهم واعتبروا أنفسهم مختصتين للنظر في النزاع ،وانحصر موضوع النزاع كله في معني توقيع الوزير على العقد .
أدلت الحكومة المصرية بأن توقيع الوزير هو عمل شكليإداري بموجبة تخول سلطة الوصاية (أي الوزارة ) هيئة السياحة والفنادق المصرية ،وردت الشركة أنه طلبت توقيع الوزير على العقد لإثبات التزام الحكومة المصرية به ،وكان مكان التحكيم باريس ، وصدر الحكم التحكيمي في باريس يعطي للشركة الأوربية12500000 دولار ، تقدمت الحكومة المصرية بطلب إبطال الحكم التحكيمي أمام المحاكمالفرنسية مدلية ، بغياب العقد التحكيمي كسبب للبطلان ، وفقاً لقانون التحكيم الدوليالفرنسي ، أبطلت المحاكم الفرنسية الحكم التحكيمي على أساس أن المحكمين نظروابالدعوى دون أن يكون هناك عقد تحكيمي ، كما أبطلت المحكمة القضائية الفرنسية قرارالمحكمين باعتبار أنفسهم مختصين للنظر بالنزاع الذي بني على أن هناك عقد تحكيميصحيح ، وهكذا أبطلت المحكمة القضائية الحكم التحكيمي برمته (34) .
عدم صحة اتفاق التحكيم - الجزء الثاني
1- أن يكون موضوع اتفاق التحكيم قابلاً للحل بالتحكيم .
يعد هذا العنصر من أهم عناصر اتفاق التحكيم ، لذلك غالباً ماتحدد قوانين الدول المسائل التي جوز حلها عن طريق التحكيم ، وبالتالي يعد الاتفاقعلى التحكيم بشأنها صحيحاً ، والمسائل التي لا يجوز حلها عن طريق التحكيم وبالتالييعد الاتفاق على التحكم بشأنها باطلاً ، وبالتالي يجب النظر إلى هذه المسألة فيقانون كل دولة ، والملاحظ أن بعض الدول تأخذ موقفاً مشجعاً للالتجاء إلى التحكيم ،وبالتالي تجعل الأصل فيه جواز ذلك في كافة المسائل مع وجود إستثناءات محدودة مقررةعلى سبيل الحصر في أضيق نطاق ممكن كما هو الحال في الدول الأنجلو أمريكيةوالاسكندنافية ، وعلى العكس تماماً فإن هناك دول تقف من التحكيم موقفاً حذراًباعتباره طريقاً استثنائياً مما ينعكس في توسيع نطاق المسائل التي يجوز التحكيمبشأنها واستعمال عبارات معروفة بأنها غير منضبطة الحدود في هذا المجال مثل فكرةالنظام العام كما هو الحال في غالبية الدول اللاتينية والعربية ، وتوسطت دول أخريوأخذت بحلول توفيقية عن طريق النص على تحديد المسائل التي لا يجوز في شأنها التحكيمعن طريق نصوص القانون الداخلي أو الاجتهاد القضائي كما هو الحـال في فرنسا وإيطالياواليابان ومصر (35) .
ولم تفصح اتفاقية نيويورك المسائل التي يجوز حلهاعن طريق التحكيم ، أو تلك التي لا يجوز حلها عن طريق التحكيم حيث اكتفت بالإحالةإلى قانون الدولة التي يطلب إليها تنفيذ حكم التحكيم لمعرفة إذا كان قانون هذهالدولة يجيز حل النزاع الصادر فيه حكم التحكيم المراد تنفيذ من عدمه (36) ، ويعدهذا الشرط في حد ذاته حالة من الحالات التي يرفض فيها تنفيذ حكم التحكيم الأجنبيالذي تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ، ولذا نكتفي بما ذكرناه ، وسنعود للكلام عليهتفصيلاً عند تناول حالات رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي التي يقضي بها القاضي منتلقاء نفسه في المطب الثاني .
2- أنيكون هناك نزاع ناشئ عن علاقة قانونية محدده .
من الطبيعي أنالاتفاق على اللجوء إلى التحكيم يجب أن يكون لحل نزاع وان يكون ذلك النزاع بصددعلاقة قانونية محددة سواء كانت علاقة تعاقدية أو غير تعاقدية ، وإذا كان من الشائعأن يرد اتفاق التحكيم بمناسبة علاقة تعاقدية إلا أنه لا يوجد ما يمنع من ورود اتفاقالتحكيم بمناسبة علاقة غير تعاقدية ، مثل التعويض عن العمل غير المشروع ، أو عنالإثراء بلا سبب ، أو التصادم البحري ، أو المسئولية عن حوادث النقل البري والبحريوالجوي ، وما إلي ذلك من مجالات حديثة يلعب فيها التحكيم دوراً مهماً (37) ، وهذاهو ما نص عليه كل من قانون التحكيم المصري الجديد في المادة 10/1 ، وقانون التحكيماليوناني في المادة 868 مرافعات ، والقانون التونسي في الفصل الثاني ، والقانونالنموذجي للانسيترال في المادة 70 واتفاقية نيويورك في المادة 2 (38) ، أما بعضالقوانين الأخرى فقد قصرت مجال اتفاق التحكيم عن العلاقة الناشئة عن عقد كالقانونالفرنسي في المادة 1442 مرافعات ، وقواعد الانسترال في المادة (39) ، وقواعد تحكيمغرفة التجارة الدوليةicc في المادة 3/2/ج والمادة 8/4 (40) ، والفارق بينالاتجاهين واضح حيث أن العلاقة القانونية في القوانين الأولي أوسع نطاقاً من العقد، وتطبيقاً لذلك فقد عرض على القضاء البريطاني قضية أقامتها شركةlonrho وشركة خطأنابيبmocambiqueضد شركةshle للبترول وشركةbpو27 شركة بترولية أخري مناسبة نكولهم عن استخدامخط الأنابيب المذكور بناء على موصفه المدعون بأنه عمل غير مشروع ناتج عن تآمر ، فقدلجأت الشركات البترولية إلى التمسك بضرورة إحالة النزاع إلى التحكيم استناداً إلىالمادة (22) من الاتفاقية المعروفة باسمshippers’ agreementالذي يتضمن اتفاقاً على اللجوء إلى التحكيم ، وانتهت المحكمة إلىقبول وجهة النظر هذه بعد أن تأكدت من أن صياغة اتفاق التحكيم تسمح بإدخال المطالباتالناشئة عن العمل غير المشروع في إطاره (41) ، ويثور التساؤل عن النزاع بصددالعلاقة القانونية المحددة الذي يبرر اللجوء إلى التحكيم وتأثير ذلك على الدعوىالتي يقيمها أحد أطراف اتفاق التحكيم أمام القضاء ومدى دخولها في مجال اتفاقالتحكيم من عدمه فقد عرض على القضاء البريطاني قضية متعلقة بهذا الشأن نعرض لهالأنها تفيد في تقريب وتحديد موضوع النزاع الذي يدخل في اتفاق التحكيم من عدمه فقدأبرمت شركة بريطانية مع شركة ألمانية عقداً للتعاون معاً في مجال تصنيع المنسوجاتوتضمن عقد الشركة تحكيم من شأنه إحالة جميع الخلافات التي قد تثور بين الطرفين إلىالتحكيم في ميونيخ ، وفى إطارا المعاملات بين الطرفين قامت الشركة البريطانيةبتوريد آلات صناعية تم دفع ثمنها بكمبيالات استحق بعضها وتم سداده وظلت الكمبيالاتالباقية تحت التحصيل في مواعيد استحقاقها ، وعندما نشأ خلاف بين الطرفين حول عدةأمور من بينها عدم قيام الشركة البريطانية بتنفيذ التزاماتها المتعلقة بالمعونةالفنية وكون الآلات الموردة معيبة ومستعملة على خلاف ما كان مشترطاً في العقد ،قامت الشركة الألمانية برفع الأمر إلى التحكيم مطالبة بالتعويضات المناسبة ، وعقبذلك لجأت الشركة البريطانية من جانبها إلى إقامة دعوى قضائية للمطالبة بقيمةالكمبيالات التي حلت تواريخ استحقاقاتها ولم يتم دفعها فتمسكت الشركة الألمانيةباتفاق التحكيم طالبة من المحكمة البريطانية وقف الإجراءات المقامة أمامها وإحالةالمطالبة بقيمة الكمبيالات إلي هيئة التحكيم باعتبار أنها موضوع دعوى مضادة مرفوعةأمام هيئة التحكيم ، فرفضت محكمة أول درجة الأمر بوقف الدعوى المقامة للمطالبة سدادقيمة الكمبيالات على أساس أنها غير مجحودة وليست صحتها كورقة تجارية محلاً لأي نزاع، فقامت الشركة الألمانية باستئناف هذا الحكم ، فحكمت محكمة الاستئناف بوقف الدعوىالقضائية أمام المحاكم البريطانية باعتبار أن سبب الالتزام الصرفي هو بيع الآلاتللشركة الألمانية حيث صدرت الكمبيالات وفاء بثمنها ،وما دام عقد البيع مطروحاً علىهيئة التحكيم لتقدير مدي جودة الآلات واستحقاق الثمن المتفق عليه فإن الكمبيالاتالتي تمثل ذلك الثمن تعد من الأمور المتنازع عليها والتي تدخل بالتالي في إطارالتحكيم ، وعندما طعن بعد ذلك في هذا الحكم أمام مجلس اللوردات ، قضي بإلغاء حكممحكمة الاستئناف مستنداً إلى أن الأوراق التجارية لا تعد متنازع عليها ومحلا لخلافإلا في حالة واحدة وهي صدورها بناء على غش ، وبالتالي ففي غير هذه الحالة لا يجوزاعتبار قيمتها محلاً لخلاف بين الساحب والمسحوب عليها وإلا انهارت الثقة فيالكمبيالات وما في حكمها (42) .
هذه هيشروط صحة اتفاق التحكيم من حيث كونه تصرف قانوني والتي إذا ما توافرت أنتج اتفاقالتحكيم أثره ، وألزمت محاكم الدول المنتمي إليها أطرافه بالاعتراف به والامتناع عننظر النزاع موضوع اتفاق التحكيم وإحالة الأطراف إلى التحكيم .
ويجب أن نلاحظ أنه قد يكون هناك عناصر أخرى لصحةاتفاق التحكيم بحسب القانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم ، وإنما عنينا بالإشارة إلىالعناصر السابقة بوصفها موضع تقدير من القانون والقضاء في مختلف الدول .
ومن العناصر الأخرى اللازمةلصحة اتفاق التحكيم تعيين أسماء المحكمين ، وقد أثار هذا العنصر خلافاً كبيراً بينالشراح المصريين ، حيث أن منهم رأي صحة اتفاق التحكيم الخالي من تعين أسماءالمحكمين على أساس أن القانون المصري لم يجعل من تخلف هذا العنصر سبباً لبطلانالحكم التحكيمي (43) وأن ومنهم من رأي بأن تعيين أسماء المحكمين يعد ركنا من أركاناتفاق التحكيم لا ينعقد بدونه ، ويترتب على ذلك لزوماً الحكم بطلان اتفاق التحكيمإذا ما كان خالياً من أسماء المحكمين ولم يتم تعينهم في مرحلة لاحقة في اتفاق مستقل (44) ، ولم يكن الخلاف بين الشراح المصريين بشأن هذا العنصر أقل من الخلاف بينالمحاكم المصرية حيث ذهبت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية إلي أن ( الثابت أنه لميتم تحديد أسماء المحكمين أو المحكم في اتفاق مستقل أو لاحق لمشارطه التحكيم ومن ثمفإن الاتفاق على التحكيم في الدعوى الماثلة لم يستكمل شروطه وبالتالي فإن الدفعبعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لوجود شرط التحكيم يكون قد قام على غير سند منالقانون وترفضه المحكمة (45) ويتضح من هذا الحكم أنه رتب بطلان اتفاق التحكيم جزاءعلى مخالفة شرط تعيين أسماء المحكمين وذهبت محكمة استئناف الإسكندرية إلي أن ( عدمتضمين شرط التحكيم أسماء المحكمين لا يترتب عليه بطلان شرط التحكيم سواء في ذلك أنيكون متفقاً على إجراء التحكيم في الداخل أو في الخارج ) (46) .
وفى رأينا أن الخلاف الناشئبين الشراح المصريين وبين المحاكم المصرية ناتج من الطريقة التي صيغت بها المادة 503 من قانون التحكيم المصري ، حيث لم تنص في الفقرة الثالثة التي تناولت أسبابالبطلان على البطلان كجزاء على عدم تعيين أسماء المحكمين في اتفاق التحكيم أو فياتفاق مستقل ، ومع ذلك نصت في الفقرة الثانية من نفس المادة على البطلان لمخالفةقاعدة الوترية ، حيث يصعب في رأينا الجمع بين الفقرتين بطريقة توضح مقصد القانونالمصري ، وعلى كل فإن اتفاق التحكيم كغيرة من الاتفاقات لابد أن يستند إلى قانونمعين يمده بقوته الملزمة وينظم وجودة وصحته ومصيره فإننا نرى هذا الخلاف لا تظهرأهميته إلا عند التمسك بالدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر النزاع لوجود اتفاق التحكيمبينما بعد صدور حكم التحكيم لا يمكن التمسك ببطلان حكم التحكيم لبطلان اتفاقالتحكيم ما لم يكن قد تم التمسك بداية بالدفع بعدم صحة اتفاق التحكيم أمام محكمةالتحكيم في بداية نظر النزاع ورفضته محكمة التحكيم واستمرت في نظر النزاع لأنالبطلان الناشئ على عدم صحة اتفاق التحكيم في هذه الحالة هو بطلان نسبي يجب التمسكبه من صاحب المصلحة في بداية نظر النزاع ، فقبول الخصوم المثول أمام محكمين معينينبالرغم من عدم تعينهم من قبلهم في اتفاق التحكيم أو اتفاق لاحق يعني تنازلهم عنالتمسك بهذا البطلان .
وبالتاليفي مقام تحليلنا لحالة بطلان حكم التحكيم لعدم صحة اتفاق التحكيم نقول في النهايةأنه يجب التمييز بين الحالات التي يكون فيها اتفاق التحكيم غير صحيحاً للوقوف علىالغاية منها ، فمثلاً قد يكون اتفاق التحكيم غير صحيح لعدم كتابته ، ولما كانتالكتابة شرط لإثبات اتفاق التحكيم فإنه الاتفاق يكون صحيحاً متي كان ثابتاً بطريقةقاطعة من مسلك الخصوم في خصومة التحكيم كما إذا رفع المدعي دعوى إلى التحكيم ولميعترض المدعى عليه على ذلك ، فما الفائدة من بطلان اتفاق التحكيم لعدم كتابته بينمايستفاد من موقف الطرفين إقرارهما بوجودة وبمضمونه ، وكذلك أيضاً قد يكون اتفاقالتحكيم باطلاً لوقع إرادة أحد الطرفين في غلط ، فإذا ثبت بطريقة قاطعة تتضح منمسلك الخصوم علم الطرف الذي وقع في هذا الغلط بهذا الغلط ولم يتمسك به ، فإن اتفاقالتحكيم يكون صحيحاً ، بعكس حالة عدم صحة اتفاق التحكيم لأن موضوع اتفاق التحكيمغير جائز حله عن طريق التحكيم حيث أن اتفاق التحكيم في هذه الحالة يكون غير صحيحاًلبطلانه بطلاناً مطلقاً لتعلقه بالنظام العام .
لذلك يمكن لنا في النهاية أن نضع قاعدة مهمة في حالةبطلان حكم التحكيم لعدم صحة اتفاق التحكيم وهي ، أن الدفع ببطلان حكم التحكيم لعدمصحة اتفاق التحكيم يجوز إثارته لأول مرة من خلال دعوى البطلان متي كان عدم صحةاتفاق التحكيم راجع إلى كون اتفاق التحكيم غير جائز حله عن طريق التحكيم أما إذاكان عدم صحة اتفاق التحكيم راجع إلى أسباب أخرى ، فإنه لا يجوز إثارة ذلك من خلالدعوى البطلان ما لم يتم التمسك به قبل ذلك أمام محكمة التحكيم .
الهوامش:
(3) غير أنه في إيطاليا تنصالمادة 789 من قانون المرافعات على جواز مراجعة القرار الأجنبي المطلوب تنفيذه فيظروف معينة ، غير أن محكمة النقض الإيطالية قالت أن المادة المذكورة لا تنطبق علىأحكام التحكيم الأجنبية - عزت البحيري ، تنفيذ أحكام التحكيم ، رسالة دكتوراهبإيطاليا ، 227 .
(4) فقد حكمت المحكمة السويدية العليا برفضاعتراض المحكوم عليه الليبي على طلب تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضده ، والذي تقدمالمحكوم له لتنفيذه في السويد ، حيث تمسك المحكوم عليه الليبي بطلب بطلان الحكمالتحكيمي لأن المحكمين قد تناقضوا في أسباب حكمهم الصادر ضده ، حيث ذكروا أنه كانمعذوراً في رفض استلام السفن المصنوعة بواسطة المحكوم له ، ومع ذلك حكموا فيالنهاية على المحكوم عليه الليبي بتسلم السفن التي قام بصنعها المحكوم له .
(5) غير أن ذلك لا يمنع المحكوم عليه في هذه الحالة إذا ما أراد أنيتمسك بهذه العيوب من رفع دعوى ببطلان الحكم التحكيم أمام محاكم الدولة التي صدرفيها الحكم ، كما حدث في الحكم السابق حيث قام المحكوم عليه الليبي برفع دعوىببطلان حكم التحكيم أمام المحاكم الفرنسية لأن فرنسا بلد إصدار الحكم ، إلا أن طعنهقوبل بالرفض لأسباب أخرى .
(6) وشرط التحكيم هو نص وارد ضمن نصوص عقدمعين يقرر الالتجاء إلى التحكيم كوسيلة لحل المنازعات التي قد تثور مستقبلاً بينالمتعاقدين حول العقد وتنفيذه.
(7) ومشارطه التحكيم هي عبارة عن اتفاقيبرمه الأطراف منفصل عن العقد الأصلي وذلك للجوء إلى التحكيم في صدد نزاع قائم
فعلاً بينهما .
( ومن الجدير بالذكر أنه لا أهمية للتفرقة بين شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم ،لأنهما ليس في الواقع سوى اتفاق تحيكم وطبيعتهما القانونية واحدة ، والواقع أن شرطالتحكيم هو الأكثر شيوعاً من الناحية العملية ، حيث تبين أن ما يقرب من 80% من عقودالتجارة الدولية أصبحت تتضمن شرطاً تحكيمياً . ناريمان عبد القادر ،اتفاقالتحكيم ، دراسة مقارنة، ط1 ، ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1996م ) 45 .
(9) سامية راشد ،التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1984م ) ، 309 .
(10) غير أن ذلك لا يمنع من القول بوجود تحيكم إجبارييفرضه الشارع على الخصوم ويضع القواعد المنظمة لأحكامه ، ومن أمثلة ذلك التحكيم فيمنازعات القطاع العام الذي نظمه القانون المصري بالقانون رقم 60 لسنة 1971م - وحتىفي هذا النوع من التحكيم لا يمكن القول بأن التحكيم خلى من طبيعة الإرادية لأنإرادة الأطراف لا تنمحي تماماً ، إذ يجب أن يكون لإرادتهم أثراً ، وإلا كان قضاءدوله ، فكل ما يفرضه الشارع في التحكيم الإجباري ، هو التحكيم ذاته من حيث المبدأ ،ويترك للأطراف حرية تنظيم عملياته كلها أو بعضها . ناريمان عبد القادر ،المرجعالسابق، 58 .
(11) مصطفيمحمد الجمال ، وعكاشة محمد عبد العال ،المرجع السابق، 299 .
(12) انظر في الاتجاهاتالمختلفة في هذا المقام لدى : فوزي محمد سامي ،التحكيم التجاري الدولي، ط2، ( عمان : دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1992م ) ، 188 وما بعدها .
(13) مجموعة أحكام محكمةالنقض المصرية لسنة 36 قضائية، حكم رقم 279 ، 1416 .
(14) وقد حاول البعض التغلب على هذه الصعوبة بالقولبوجوب إعمال قواعد الإسناد في قانون مقر التحكيم ، بينما ذهب البعض الأخر إلى تركالحرية للمحكم لتحديد ذلك القانون . انظر ذلك تفصيلاً لدى : مصطفي محمد الجمال ،وعكاشة محمد عبد العال ،المرجع السابق، 308 .
(15) محمود السيد عمر التحيوى ،عقد التحكيموإجراءاته ، رسالة دكتوراه ( جمهورية مصر العربية : جامعة المنوفية ، كليةالحقوق ، 1995 ) ، 374 – 376 .
(16) المرجع السابق، 232- 234 .
(17) محمد نور عبد الهادي شحاته،المرجع السابق، 306 .
(18) وإذا كان القانون المصري قد تطلب الكتابة لصحةاتفاق التحكيم ، إلا أنه يفهم من نص المادة الثانية عشر من قانون التحكيم الجديدوالتي تنص على " يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً ، ويكون اتفاقالتحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان منرسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة " أنه لم يشترط شكلاً معيناًلهذه الكتابة .
(19) مصطفى محمدالجمال ، وعكاشة محمد عبد العال ،المرجع السابق، 377 .
(20) عزت البحيري ،المرجعالسابق، 245 .
(21) ساميةراشد ،المرجع السابق، 242- 243 ، ويبدو لي أن هذه العلة التي قال بهاالقضاء الإيطالي لرفض تنفيذ حكم التحكيم المشار إليه في المتن ، لم تكن هي بمفردهاوبالطريقة المصاغة بها من قبل المؤلفة القاضية برفض الطعن بالبطلان ، وإذا كانالأمر كذلك فيمكن لي القول أن محكمتي الاستئناف والنقض الإيطاليين لم تكونا موفقتينفيما قضيا به لأنه عند إثارة الطعن ببطلان اتفاق التحكيم ، يجب البحث كمسائلة أوليةعلى القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم لمعرفة صحته من عدمه طبقاً للفقرةأ/1/5 من اتفاقية نيويورك ، وعلى هذا إذا كان القانون الإيطالي هو الواجب التطبيقعلى اتفاق التحكيم في هذا الحكم كان لدفع المدعى عليها محلاً وسنداً من الاتفاقيةنفسها لأنها تحيل إلى القانون الإيطالي في تقدير صحة اتفاق التحكيم ، ومن ثم يكونالحكم متناقضاً مع نفسه لأنه في الوقت الذي يتمسك به في الاتفاقية لإهمال القانونالإيطالي ، نجد أن الاتفاقية تشير إلى تطبيق القانون الإيطالي ، ولكن عموماً يبدولي أن القانون الإيطالي لم يكن هو القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ،وإنما القانون الإنجليزي لكون التحكيم قد تم في بريطانيا وقد لا يشترط القانونالإنجليزي في اتفاق التحكيم ما أشارت إليه الطاعنة في المواد 1341 ، 1342 منالقانون الإيطالي .
(22)راجعتفصيلاً هذا الأمر لدى محسن شفيق ،القانون التجاري المصري، ط1 ، ج2 ( القاهرة : دار النهضة العربية : 1951 ) ، 460 .
(23) عزت البحيري ،المرجع السابق، 239 .
(24) المادة 5/1/أ من الاتفاقية .
(25) عصام الدين القصبي ،المرجع السابق، 75 .
(26) المرجع السابق، 333 .
(27) سامية راشد ،المرجعالسابق، 323 .
(28) ساميةراشد ،المرجع السابق، 330 .
(29) المرجع السابق، 312 .
(30) غير أنه يجب ملاحظة ماتقضي به نظرية امتداد البطلان إذا تبين من الظروف إن إرادة المتعاقدين ما كانتلتنتهي إلى إبرام العقد الأصلي فيما لو كان قد تبين أن شرط التحكيم باطل عندالتعاقد .
(31) سامية راشد ،المرجع السابق ، 313 ، حيث تري سعادتها أن الترجمة العربية لنص المادة 5/ا/أ منالاتفاقية قد خرجت إلى حد ما عن الأصل المعتمد ، حيث ورد بالترجمة العربية الرسميةوالتي أعتمد فيها على المحلق المنشور لدي عبد الحميد الأحدب ، في المرجع السابق ، 380 - أنه لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليهبالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم الدليل على " أن أطراف الاتفاق المنصوص عليه فيالمادة الثانية كانوا طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية أو أن الاتفاقالمذكور غير صحصح وفقاً للقانون الذي أخضعه له الأطرافأو عند عدم النص علىذلكطبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم فقد خرجت عبارة ( أو عدم النص علىذلك ) إلى حد ما عن الأصل المعتمد الذي هو ( أو غياب أية إشارة إلى ذلك ) ، وهناكفارق بين عدم النص على اختيار القانون الواجب التطبيق وبين غياب أية إشارة ذاتدلالة في شان اختياره ، فالعبارة الأخيرة تغطي بالضرورة الاختيار الضمني ، بينمايصعب تفسير العبارة الأولي على نحو يضم أية صورة أخرى غير الاختيار الصريح .
([1][1]) اعتمدت في هذا الحكم على سامية راشد ،المرجع السابق، 313 .
(32) رضامحمد إبراهيم عبيد ،شرط التحكيم في عقود النقل البحري، مجلة الدراساتالقانونية ، كلية الحقوق جامعة أسيوط ، ع ،6 يونية 1984م ، 207 .
(33) سام
الخميس 4 مارس 2021 - 1:37 من طرف ahmedsdream
» تحميل ابحاث قانونية متنوعة
الأربعاء 30 يناير 2019 - 4:28 من طرف جميل0
» حمل موسوعة أحكام المحكمة الإدارية العُليا حصريا
الأربعاء 30 يناير 2019 - 4:24 من طرف جميل0
» موسوعة فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة .. الجزء الاول
الجمعة 11 يناير 2019 - 8:11 من طرف jvmj12
» البرنامج التدريبي نوفمبر – ديسمبر 2017
الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 19:22 من طرف يوسف بختان
» حمل كتاب الشرح الوافى العملى لدعوى رصيد الاجازات
الجمعة 13 يناير 2017 - 1:17 من طرف leaderman
» الوجيز فى القانون الادارى
الخميس 15 ديسمبر 2016 - 15:31 من طرف احمد العزب حجر
» كاميرات مراقبة
الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 18:12 من طرف كاميرات مراقبة
» افضل اسعار كاميرات مراقبة فى مصر
الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 18:10 من طرف كاميرات مراقبة