الانترنت أداة عصرية لتكوين علاقات اجتماعية
أحمد سليمان
بي بي سي - لندن
شابة تجلس الى كمبيوتر
الشباب هم الفئة الغالبة في مواقع الدردشة
لم تكن أندريا تدري ان العلاقة العاطفية السريعة التي ربطت بينها وبين الشاب المصري ستنقلب الى كابوس في القاهرة باحثة عمن يقرضها اموالا تعينها على الاقامة والعودة الى بلدها الارجنتين.
أندريا- وهذا ليس اسمها الحقيقي- مطلقة تبلغ من العمر 33 عاما ولديها ولد من زواج سابق، في مرحلة التعليم الثانوية،وهي مفتونة بالانترنت تمضي ساعات طوال في مدينتها كوردوبا في وسط الارجنتين، امام شاشته الفضية تنقر على ازرار لوحة مفاتيحه تجوس خلال مواقع الدردشة والتعارف خاصة على الياهو مسينجر الذي تعرفت من خلاله على العديد من الاصدقاء.
لم تكن زيارتها للقاهرة هي الاولى فقد سبق ان اقامت فيها حوالي شهر من قبل في استضافة اسرة شاب آخر تعرفت عليه عبر الانترنت في رحلة مولها والدها رجل الاعمال الا ان العلاقة لم تكلل بالارتباط الدائم وهو ما كانت تسعى اليه أندريا.
ربما يكون هذا هو السبب وراء عدم تردد أندريا في القيام بالمغامرة مرة ثانية لتلتقي نشأت - وهو ليس اسمه الحقيقي- في احدى محافظات الوجه البحري بعد علاقة على الانترنت امتدت شهورا، الا انه خذلها وتهرب منها بعد ايام ثلاثة لتجد نفسها في ضائقة مالية لم تكن تتحسب لها.
"ظاهرة لا يمكن ايقافها"
ليست كل العلاقات التي تبدا على الانترنت تنتهي مثل هذه النهاية فكثير من العلاقات العاطفية التي كانت ساحاتها فضاءات الانترنت كللت بالنجاح في صورة ارتباط دائم بمباركة الاهل.
ورغم ان منتقدي تكوين علاقات على الانترنت يتخذون من القصص الشبيهة بقصة أندريا اساسا لانتقاداتهم الا ان استخدام الانترنت كوسيلة للتعارف والتواصل الاجتماعي وتكوين صداقات جديدة اضحى حقيقة نشاهدها كل يوم، " ولايمكن ان نوقف هذه الظاهرة" كما يشير الدكتور اديب عقل استاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق.
يقول عقل" عندما يكون هناك تواصل وتوافق في الحوار فهناك عملية التقاء في وجهات النظر يعنى هناك قواسم مشتركة بين الشباب عن طريق الانترنت. لقد زرت العديد من مواقع الانترنت في مقاهي الانترنت وشهدت نوعية الحوار بين الشباب الحوار به جانب انساني وجانب اخلاقي وجانب قيمي".
مستخدم للانترنت
في المجتمعات المحافظة يشد الشباب تكوين علاقات من خلال الانترنت
ويضيف " هذا التواصل ايجابي وهناك من يحارب هذا التواصل في مجتمعنا لان في مجتمعاتنا هناك عملية ضبط اجتماعي للشباب، فعن طريق الانترنت اصبح الشاب والشابة يتحاوران دون عملية احتكاك لكن عمليا هناك انعاكسات ايجابية لهذا الامر فلذلك الامر مستمر ولا يمكن ان نوقف هذه الظاهرة".
غياب الاطر الاجتماعية
ولا يعود الامر فقط إلى بريق الانترنت كآداة سهلة وعصرية ورخيصة نسبيا لتكوين علاقات جديدة بعيدا عن الاطر المألوفة، لكن ساعدت عوامل اجتماعية وثقافية وثيقة الصلة بالمجتمعات العربية على تنامي هذه الظاهرة.
من بين هذه العوامل الميل المتزايد لغالبية المجتمعات العربية نحو المحافظة وتصاعد الدعوات للفصل بين الجنسين وعدم الاختلاط وانكماش الطبقة الوسطى بل وتدهورها في بعض البلدان الكبرى.
اضافة الى تنامي مشكلة العنوسة التي اضحت هما يؤرق الابوين، وتراجع اعداد الزيجات في ضوء ازمات اقتصادية وبطالة لا تمكن الشباب من توفير مستلزمات الزواج.
وقبل ذلك كله اصبح الزواج مشكلة بل مشكلة المشاكل التي تفرض نفسها على كل بيت لديه ولد او بنت في عمر الزواج ليس فقط على الصعيد المادي وتدبير تكاليف الزواج ولكن قبل ذلك على صعيد الاطر الاجتماعية المناسبة للتعارف بين الجنسين.
ولا ننسى أن بعض المجتمعات تعتبر الاختلاط بين الجنسين من غير المتزوجين امرا محرما أو مرفوضا خاصة في منطقة الخليج.
وكما يوضح استاذ علم الاجتماع الدكتور عقل" ليس هناك من عوامل استغلال اوقات فراغ الشباب ليس هناك نوادي وليس هناك منظمات وليس هناك مناسبات يلتقي فيها الجنسان لذا لجأ الشباب الى الانترنت لتكون عملية الحوار الثقافي عن طريق الانترنت وهذا الامر طبيعي ولا يمكن تجاوزه".
غياب الشفافية
احد اوجه النقد الرئيسية التي توجه للعلاقات المؤسسة من خلال الشبكة العنكبوتية هو انها علاقات "افتراضية" وتفتقر الى ضمانات الصدق والشفافية فمن يصف نفسه بالوسامة والطول قد يكون دميما قصيرا وقد يكون خلف الاسم الانثوي رجل وخلف السيدة المثالية شخصية فوضوية، فالاقنعة متاحة دائما لمن يرغب في ارتدائها.
مستخدمة للانترنت
تقول الدكتورة سلوى العمد استاذ علم الاجتماع والانثروبولوجيا جامعة فيلادفيا بالادرن "أرى هذا النوع من العلاقات بالاجمال بالنسبة لي انا ... اراه غريبا قليلا لاننا لا نستطيع أن نتأكد من هو المتحدث الاخر الينا فكيف يمكن للمرء ان يلتقي باناس لا يعرفهم ولا تلتقي العيون ويتبادلون النظرات في حين لديك اصدقاء واخوة في نفس المنزل قد لا تتعاطى معهم بهذه الطريقة".
وتضيف" هناك نوع جديد من علاقات لا أرى أنه علاقة في الواقع وانما هو نوع من التسلية وعلاقات وهمية لا اساس لها في الواقع الا اذا كان هناك استثناءات لا ادرى عنها".
وما تشير اليه الدكتورة هو ملمح آخر لما يعتبره البعض مآخذ تكتنف مسعى الباحثين عن علاقات افتراضية عبر الانترنت.
فالساعات الطويلة التي يمضيها هؤلاء تعمق لديهم شعور العزلة والانطواء عن محيطعهم الاجتماعي الطبيعي، وتفصلهم عن صداقات واقعية قد تكون قريبة ومتاحة.
ومؤخرا بدأ المختصون في علم النفس يتحدثون عن ظاهرة جديدة وهي ما يطلق عليه " جرح المشاعر الافتراضية" وذلك عندما يتعرض شخص ما للرفض أو التجاهل من قبل اصدقاء مفترضين. ويقول هؤلاء إن آلام الرفض الاليكتروني تعادل آلام الرفض الواقعي.
دردشة .. فلقاء
وفقا للارقام تصل عدد المواقع التي تقدم خدمة الراغبين في الزواج باللغة العربية حوالي 200 موقع بعضها يطلب رسوما من الراغب في الزواج، والبعض الآخر وهو قليل يقدم الخدمة مجانا. وبعضها اتخذ اسماء اسلامية لجذب مزيد من المستخدمين.
والمتصفح للانترنت بحثا عن رأي مستخدمي هذه المواقع سيجد اتقساما واضحا في الرأي حول جدوى محاولة الاقتران عن طريق شبكة الاتصالات الدولية، فكل حسب تجربته الخاصة.
وبينما تكلل قصص بالنجاح وتسفر عن زواج سعيد هناك في المقابل قصص مليئة بالاحباط ومشاعر الخيبة من العثور على شريك مناسب وسط هذا البحر المتلاطم من الاشخاص الافتراضيين.
وينسحب هذا الاختلاف في وجهة النظر الى المتخصيين فبينما تنظر الدكتورة سلوى العمد بحذر الى هذا النوع من العلاقات لا يتردد الدكتور عقل في دعم هذا التوجه.
تقول الدكتورة العمد" الحقيقة نحن تربينا على شيء ان يكون هناك بين الناس صلة وتواصل مسبق حتى يكونوا ارتباط لكن هناك ارتباطات تتم عن طريق الانترنت لا ادري عن التكوين الشخصي والنفسي للاشخاص الذين يرتبطون عن طرق الانترنت ... لكن هناك مواقع تسهل على الناس الارتباط".
وتضيف" لا ادرى ان كان الارتباط يتم دون ان يتعرفوا على بعضهم البعض بشكل مباشر فهذه مسألة فيها شيء من الخطورة على الانسان ومصيره ان يرتبط بانسان اخر لا يعرفه مطلقا... اما ان يتعرف على انسان ويرتبط به لا أرى فيها مسألة غريبة".
بينما يرى الدكتور عقل أن" التواصل والاختيار عن طريق الانترنت أمر طبيعي ولا يمكن أن نتجاوزه ولا يمكن أن يتم عن طريق النظرة الاولى كما يقولون في مجتمعاتنا. هناك حوار متواصل لقاءات متعددة اكتشاف الاخر توافق ثقافي. بالنتيجة يؤدي ذلك إلى توافق فكري وتوافق روحي أنا مع هذا الظاهرة".
وربما يصلح الانترنت اساسا لاختيار شريك الحياة، كما تشير فتاة ارتبطت عن هذا الطريق، للذين يدققون في الاختيار اكثر من غيرهم حيث تتيح مواقع الزواج فرصا واسعة للاختيار من بين عدد يبدو غير محدود.
فمن مزايا الانترنت انه يجعل الشخص يركز على الصفات الفكرية والخصائص النفسية في شخصية الطرف الآخر دون التأثر بالمواصفات الجسدية التي ربما تأخذ اهتماما اكبر من قيمتها في حالة زواج الصالونات المشهور في المجتمعات العربية.
وهنا تتغير العبارة الشهيرة نظرة فموعد فلقاء لتحل الـ" chat" أو الدردشة الالكترونية محل التواصل بالعيون الذي عهده البشر منذ عصور.
الخميس 4 مارس 2021 - 1:37 من طرف ahmedsdream
» تحميل ابحاث قانونية متنوعة
الأربعاء 30 يناير 2019 - 4:28 من طرف جميل0
» حمل موسوعة أحكام المحكمة الإدارية العُليا حصريا
الأربعاء 30 يناير 2019 - 4:24 من طرف جميل0
» موسوعة فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة .. الجزء الاول
الجمعة 11 يناير 2019 - 8:11 من طرف jvmj12
» البرنامج التدريبي نوفمبر – ديسمبر 2017
الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 19:22 من طرف يوسف بختان
» حمل كتاب الشرح الوافى العملى لدعوى رصيد الاجازات
الجمعة 13 يناير 2017 - 1:17 من طرف leaderman
» الوجيز فى القانون الادارى
الخميس 15 ديسمبر 2016 - 15:31 من طرف احمد العزب حجر
» كاميرات مراقبة
الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 18:12 من طرف كاميرات مراقبة
» افضل اسعار كاميرات مراقبة فى مصر
الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 18:10 من طرف كاميرات مراقبة