بسم الله الرحمن الرحيم
شرط ومشارطة التحكيم وصحة صياغتهما بما يتفق مع القواعد الدولية
التحكيم سمة من سمات العصر وثمرة لتطور العلاقات الاقتصادية بين الدول بالرغم من ان التحكيم بمفهومه المطلق قديم قدم المجتمعات الإنسانية وكان العرب يمارسون التحكيم في تعاملاتهم التجارية منذ فجر التاريخ إلا ان تطور فكرة التحكيم جاءت مع النمو الاقتصادي والثورة الصناعية فكان من الضروري خلق نظام قانوني يتواكب مع التطور الحاصل لحل النزاعات التي قد تنشأ بين الفعاليات الاقتصادية بكافة أشكالها بسهولة ويسر دون اللجوء للقضاء العادي وتعقيداته.
وينقسم التحكيم من حيث تنظيمه إلى تحكيم حر وتحكيم مؤسسي وأساس هذه التفرقة يكمن في جود أو عدم وجود مؤسسة تحكيم تتولى تنظيم العملية التحكيمية ابتداءً من تعيين المحكمين ومروراً بإجراءات التحكيم، وانتهاءً بصدور حكم المحكمين وتبليغه لأطراف النزاع، بمعنى ان الاتفاق على إحالة النزاع إلى التحكيم فقط، أو وفق قواعد تحكيم معينة دون الإشارة إلى مؤسسة تحكيمية بعينها، هو اتفاق على تحكيم حر، في حين ان الاتفاق على التحكيم وفق قواعد مركز تحكيم معين أو هيئة معينة، هو تحيكم مؤسسي، ومثاله تحكيم غرفة التجارة الدوليةICC بباريس، وهيئة التحكيم الأمريكية AAA، ومحكمة لندن للتحكيم التجاري الدولي LCIA ومحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ICSIDفي واشنطن، ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، ومنظمة الملكية الفكرية العالميةWIPOفي جنيف، والغرفة العربية للتوفيق والتحكيم بالقاهرة ومركز دبي للتحكيم.
ومن ابرز قواعد التحكيم في المجال الدولي، القواعد التي وضعتها لجنة قانون التجارة الدولية UNCITRAL فبدلاً من قيام أطراف النزاع أو هيئة التحكيم بإعداد أو تحديد قواعد إجرائية لأتباعها في التحكيم، يتم اختيار قواعد UNCITRAL العامة وقد انتشرت هذه القواعد انتشارا واسعا في إطار التحكيم الدولي، حتى ان غالبية مؤسسات التحكيم تبنتها واعتبرتها القواعد الخاصة بها، وقد حذت الدول العربية هذا الحذو من خلال سن قوانين تحكيم خاصة في أغلبها مستمدة من قواعد UNCITRAL ومنها قانون التحكيم المصري والسعودي والإماراتي وحديثا مشروع قانون التحكيم السوري الذي لم يبصر النور بعد وغيرها الكثير.
وقد رأيت ان يكون هذا البحث في شرط ومشارطة التحكيم محاولاً قدر الامكان تخفيف العقبات التي تعترض طريق عملية التحكيم من خلال حسن صياغتهما.
بداية نقف على تعريف الفقه للتحكيم بأنه:
طريقة لحل النزاعات تعتمد على اختيار أطراف النزاع لقضاتهم بدلاً من الاعتماد على التنظيم القضائي وذلك بإعطائهم الحرية في اختيار محكميهم والقانون الناظم لتلك العلاقة من ناحية الموضوع والإجراءات والشروط وبما يتفق مع النظام العام.
وهو بهذا الوصف نظام قضائي من نوع خاص موازي للنظام القضائي العادي يتمتع بالسرعة في حسم النزاعات والاقتصاد في النفقات إضافة إلى السرية ويخدم مصالح الدولة في عدم تكدس القضايا ويساير الأنظمة الدولية الحديثة ويناسب بالتالي فض النزاعات المتعلقة بالأعمال التجارية سواء أكانت داخلية أم بين مؤسسات دولية لان طبيعة العمل التجاري تتطلب المرونة والسرعة والحسم، لذلك نجد ان غالبية العقود التجارية وخاصة على صعيد التجارة الدولية من أهم مكوناتها شرط التحكيم وتكمن أهمية أخرى للتحكيم تتمثل في كونه يساعد بشكل أساسي في انتعاش الحياة التجارية وتشجيع المستثمر الأجنبي على الدخول في استثمارات كبيرة وفى علاقات تجاريه واسعة مع الفعاليات الاقتصادية الوطنية دون الخوف من ضياع الحقوق إذا حدثت منازعة بشان عملية تجارية أو تنفيذ عقد أو تفسيره نتيجة لضعف وتخلف القوانين المحلية و إطالة أمد التقاضي فيتمكن المستثمر من اشتراط القانون واجب التطبيق في حالة حدوث منازعة سواء كان القانون السوري مثلاً أو الأجنبيمستفيداً من كون قوانين التحكيم كافة من القوانين التكميلية التي يجوز الاتفاق على خلاف بنودها.
ويرتكز التحكيم كغيره من العقود الرضائية ان جاز التعبير على أركان يجب توافرها في أطرافه وهي:
الرضى والأهلية الكاملة والسبب والمحل وقد استثنت أغلب التشريعات من التحكيم في نطاق المحل المواضيع التي لا يجوز الصلح فيها والمواضيع التي تتعلق بالنظام العام.
كما ان المحكم يجب ان يتمتع بالأهلية الكاملة فلا يصح ان يكون المحكم قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية وإذا كان المحكمون أكثر من واحد فيجب ان يكون عددهم وتراً وهذا الشرط من اجل تأمين الأغلبية في الآراء وهو من متعلقات النظام العام ويجب مراعاته تحت طائلة البطلان ويجب ان يقبل المحكم مهمة التحكيم بالكتابة.
هذه هي الشروط العامة وننتقل عقب ذلك إلى البحث في.
شرط التحكيم ومشارطة التحكيم وما يجب ان يتضمناه من بنود أساسية لصحة صياغتهما بما يتفق مع القواعد الدولية:
شرط التحكيم:Clause Compromiser وهو الشرط الذي يرد كبند في العقد بإحالة المنازعات المستقبلية حول ذلك العقد إلى التحكيم وهذا هو الغالب في الممارسة العملية والعقود الدولية باختلاف أنواعها.
مشارطة التحكيم: Compromise وهي عبارة عن اتفاق تحكيم لاحق على وقوع المنازعة يبرم بشروط خاصة وعقد مستقل ويقوم على تراضي الطرفين.
وقد أعطت قوانين التحكيم الأطراف الحرية في صياغة شرط و مشارطة التحكيم فكان من المستحسن تضمينهما كل ما هو ضروري لتجنب الرجوع للقضاء لأن المبدأ القانون قد نص على ان ما لا ينطق به في العقود يحال بتطبيقه إلى القانون الساري مما ينجم عنه التعقيد وإطالة أمد النزاع، هذا وان القرار الذي سوف يصدره القضاء بخصوص أي خلاف على إجراء معين يكون في أغلب التشريعات قابل للاستئناف كغيره من القرارات القضائية مما يطيل أمد التحكيم ويعرقل إجراءاته فكان واجباً على رجال القانون العمل على صياغة شرط ومشارطة التحكيم بدقة وروية من خلال مراعاة النقاط التالية:
1- عدم الارتكان عند صياغة شرط أو مشارطة التحكيم بشكل كبير إلى العقود النموذجية في هذا المجال لان هناك شروط خاصة بكل حالة وبكل قانون على حدا يجب إضافتها ومراعاتها في الصياغة.
2- مراعاة قواعد النظام العام (وهي مجموعة القواعد والقوانين الأساسية التي تنظم الجماعة من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية) عند صياغة شرط أو مشارطة التحكيم بما لا يخالفها.
3- اختيار القانون الموضوعي والقانون الإجرائي الذي يحكم عملية التحكيم بدقة متناهية من خلال دراسة طبيعة العقد المبرم بين الأطراف والنشاط الذي ينظمه بالشكل الذي يؤدي لاختيار القواعد الأنسب والأسهل والتي تحقق المنفعة المرجوة من اللجوء للتحكيم هذا مع الإشارة إلى انه ليس من الضرورة دائما التمسك بالقانون الوطني ليحكم النزاع خاصة في مجال المطالبة بالتعويضات في عقود نقل التكنولوجيا والأضرار المادية والجسدية وحالات الوفاة وحالات الإخلال بالبيئة حيث لا تزال اغلب التشريعات العربية في بداية تطورها في هذا المجال.
4- يجب ان تكون شروط تعيين المحكمين وجنسيتهم واضحة وصريحة في شرط أو مشارطة التحكيم بالنسبة لمحكمي الطرفين وطرق اختيار الحكم المرجح وبالتالي يمكن تلافي هذا الأمر من خلال تحديد المدة الزمنية الممنوحة لكل طرف لاختيار محكمه وتحديد الجهة التي ستقوم باختيار المحكم المرجح في حال امتنع أو عارض احد الأطراف في اختياره وهنا نكون قد غطينا هذا الجانب القانوني وهذه الثغرة في شرط أو مشارطة التحكيم وبالتالي تلافينا التأخير في تشكيل الهيئة وهي أهم مرحلة من مراحل التحكيم أما إذا كانت العملية التحكمية في مجملها تخضع للنظام المؤسسي فان نظام المؤسسة يحدد طريقة التعيين والإجراءات والمدد وغيرها مع أمكانية الاتفاق على خلافها وفي نواح معينة يحددها الأطراف.
5- مراعاة شروط حالات الوفاة والتنحي في اختيار البديل وتحديد الجهة التي تختاره والاتفاق على الجهة صاحبة الاختصاص في ردّ المحكم, والتي يقدم لها طلب الرد.
6- يجب مراعاة التفاصيل التي تخلق مشاكل في القانون المختار للتحكيم وفقه وتلافي هذه التفاصيل في شرط أو مشارطة التحكيم من خلال مراجعة نص القانون المراد تطبيقه ومثل ذلك - اختيار مكان المحكمة المختصة التي يلجأ إليها المتعاقدون عند الخلاف - أو القانون الذي يتم اختياره وتطبيقه على إجراء معين.
7- يمكن اختيار قوانين إجرائية مختلفة وتطبيقها على كل حالة منفردة من حالات العقد ويرجع هذا الأمر لإرادة الطرفين.
8- يجب ان تكون صيغة شرط التحكيم واضحة فيما يتعلق بموضوع النزاع وفيما يثور من خلافات في تفسير العقد وما يثور من خلافات أثناء تنفيذه وما يترتب على انهائه أو فسخه من تبعات قانونية وفيما إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح أو تخويلهم القضاء وفق قواعد العدل والانصاف.
9- يجب ضبط طريقة الإبلاغ والعلم في شرط التحكيم بشكل دقيق من حيث الاستلام والتسليم والمكان والوسيلة للتبليغ لانه عند اللجوء إلى تنفيذ شرط التحكيم أو المشارطة ينفذ على العنوان والطريقة المبينة فيهما فيتم على سبيل المثال النص على ان يتم التبليغ في مقر العمل أو محل الإقامة المعتاد أو على عنوان البريد المعروف للأطراف المحدد في شرط أو مشارطة التحكيم وحتى عن طريق البريد الالكتروني.
10- تحديد زمن ومدة بداية وانهاء التحكيم بدقة وتحديد مكان اجراء التحكيم.
11- يمكن تحديد الخصومة التي ينطبق علها شرط التحكيم بدقة واختيار البند من العقد أو الجزء المراد التحكيم بشأنه وتطبيق قانون أو أجراء معين عليه دون ان يشمل شرط أو مشارطة التحكيم العقد كله.
12- في حالة احتمال دخول طرف جديد على العقد عقب إبرامه يجب ان نشير في العقد الأساسي عند إبرامه انه فيما انتهى إليه شرط التحكيم يمتد أثره إلى العقود الممتدة والتي تطرأ عقب العقد الأساسي ويستعمل هذا الشرط كثيراً في عقود المقاولات والانشاءات الهندسية ويجب ان يتم تضمين رقم البند الخاص بالتحكيم في العقد الأساسي ضمن العقد الفرعي حتى نتلافى المشاكل وعرقلة عملية التحكيم وفي العقود الفرعية يكون الالتزام بالإحالة الضمنية بالموافقة على بنود العقد الأساسي وبالانضمام لمجموعة العقد ليتماشى العقد الفرعي مع العقد الأساسي فيما يلزم في تنفيذه.
13- تضمين شرط ومشارطة التحكيم اللغة المعتمدة في التحكيم بما يتناسب مع رغبة الأطراف وظروف النزاع ولغة العقد لتجنب استخدام المترجمين أثناء التحكيم مما يزيد في النفقات ويبطئ الإجراءات ويؤدي لحالات سوء فهم المحكمون للخصوم، وإذا لم يختاروا لغة معينة في التحكيم المؤسسي يعود للمحكمين تحديدها بناء على رأي الطرفين وظروف القضية ولا يمنع ذلك من مراجعة الخصوم باللغة التي يريدونها وتقديم وثيقة بلغة أخرى على ان يتم ترجمتها إلى اللغة المعتمدة في التحكيم.
14- منح هيئة التحكيم الحق باتخاذ الإجراءات الوقتية التي تراها ضرورية, بناء على طلب أحد الأطراف أو منعها من اتخاذ تلك الإجراءات أو تحديد الجهة القضائية التي يتم اللجوء اليها لاتخاذ إجراء معين ومثال ذلك, الحجز الاحتياطي على أموال أحد الطرفين الموجودة تحت يده أو تحت يد شخص ثالث, وتعيين حارس لإدارة المال المتنازع عليه, أو اتخاذ قرار ببيعه لأنه قابل للتلف السريع, أو إيداعه في مخزن تتوفر فيه شروط معينة تناسب طبيعته.
من خلال ما بيناه سابقاً يتضح لنا ان شرط ومشارطة التحكيم هما بالواقع اللبنة الأساسية في المشروع الهادف لإنهاء أي خلاف بواسطة التحكيم ومن خلالهما يمكن ان تتسم تلك العملية بالسهولة والسرعة والاقتصاد بالنفقات وصولاً لقرار عادل أو تتعقد نتيجة للارتكان للقضاء في الفصل في كل أمر خلافي لم يتضمن شرط أو مشارطة التحكيم حل له.
شرط ومشارطة التحكيم وصحة صياغتهما بما يتفق مع القواعد الدولية
التحكيم سمة من سمات العصر وثمرة لتطور العلاقات الاقتصادية بين الدول بالرغم من ان التحكيم بمفهومه المطلق قديم قدم المجتمعات الإنسانية وكان العرب يمارسون التحكيم في تعاملاتهم التجارية منذ فجر التاريخ إلا ان تطور فكرة التحكيم جاءت مع النمو الاقتصادي والثورة الصناعية فكان من الضروري خلق نظام قانوني يتواكب مع التطور الحاصل لحل النزاعات التي قد تنشأ بين الفعاليات الاقتصادية بكافة أشكالها بسهولة ويسر دون اللجوء للقضاء العادي وتعقيداته.
وينقسم التحكيم من حيث تنظيمه إلى تحكيم حر وتحكيم مؤسسي وأساس هذه التفرقة يكمن في جود أو عدم وجود مؤسسة تحكيم تتولى تنظيم العملية التحكيمية ابتداءً من تعيين المحكمين ومروراً بإجراءات التحكيم، وانتهاءً بصدور حكم المحكمين وتبليغه لأطراف النزاع، بمعنى ان الاتفاق على إحالة النزاع إلى التحكيم فقط، أو وفق قواعد تحكيم معينة دون الإشارة إلى مؤسسة تحكيمية بعينها، هو اتفاق على تحكيم حر، في حين ان الاتفاق على التحكيم وفق قواعد مركز تحكيم معين أو هيئة معينة، هو تحيكم مؤسسي، ومثاله تحكيم غرفة التجارة الدوليةICC بباريس، وهيئة التحكيم الأمريكية AAA، ومحكمة لندن للتحكيم التجاري الدولي LCIA ومحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ICSIDفي واشنطن، ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، ومنظمة الملكية الفكرية العالميةWIPOفي جنيف، والغرفة العربية للتوفيق والتحكيم بالقاهرة ومركز دبي للتحكيم.
ومن ابرز قواعد التحكيم في المجال الدولي، القواعد التي وضعتها لجنة قانون التجارة الدولية UNCITRAL فبدلاً من قيام أطراف النزاع أو هيئة التحكيم بإعداد أو تحديد قواعد إجرائية لأتباعها في التحكيم، يتم اختيار قواعد UNCITRAL العامة وقد انتشرت هذه القواعد انتشارا واسعا في إطار التحكيم الدولي، حتى ان غالبية مؤسسات التحكيم تبنتها واعتبرتها القواعد الخاصة بها، وقد حذت الدول العربية هذا الحذو من خلال سن قوانين تحكيم خاصة في أغلبها مستمدة من قواعد UNCITRAL ومنها قانون التحكيم المصري والسعودي والإماراتي وحديثا مشروع قانون التحكيم السوري الذي لم يبصر النور بعد وغيرها الكثير.
وقد رأيت ان يكون هذا البحث في شرط ومشارطة التحكيم محاولاً قدر الامكان تخفيف العقبات التي تعترض طريق عملية التحكيم من خلال حسن صياغتهما.
بداية نقف على تعريف الفقه للتحكيم بأنه:
طريقة لحل النزاعات تعتمد على اختيار أطراف النزاع لقضاتهم بدلاً من الاعتماد على التنظيم القضائي وذلك بإعطائهم الحرية في اختيار محكميهم والقانون الناظم لتلك العلاقة من ناحية الموضوع والإجراءات والشروط وبما يتفق مع النظام العام.
وهو بهذا الوصف نظام قضائي من نوع خاص موازي للنظام القضائي العادي يتمتع بالسرعة في حسم النزاعات والاقتصاد في النفقات إضافة إلى السرية ويخدم مصالح الدولة في عدم تكدس القضايا ويساير الأنظمة الدولية الحديثة ويناسب بالتالي فض النزاعات المتعلقة بالأعمال التجارية سواء أكانت داخلية أم بين مؤسسات دولية لان طبيعة العمل التجاري تتطلب المرونة والسرعة والحسم، لذلك نجد ان غالبية العقود التجارية وخاصة على صعيد التجارة الدولية من أهم مكوناتها شرط التحكيم وتكمن أهمية أخرى للتحكيم تتمثل في كونه يساعد بشكل أساسي في انتعاش الحياة التجارية وتشجيع المستثمر الأجنبي على الدخول في استثمارات كبيرة وفى علاقات تجاريه واسعة مع الفعاليات الاقتصادية الوطنية دون الخوف من ضياع الحقوق إذا حدثت منازعة بشان عملية تجارية أو تنفيذ عقد أو تفسيره نتيجة لضعف وتخلف القوانين المحلية و إطالة أمد التقاضي فيتمكن المستثمر من اشتراط القانون واجب التطبيق في حالة حدوث منازعة سواء كان القانون السوري مثلاً أو الأجنبيمستفيداً من كون قوانين التحكيم كافة من القوانين التكميلية التي يجوز الاتفاق على خلاف بنودها.
ويرتكز التحكيم كغيره من العقود الرضائية ان جاز التعبير على أركان يجب توافرها في أطرافه وهي:
الرضى والأهلية الكاملة والسبب والمحل وقد استثنت أغلب التشريعات من التحكيم في نطاق المحل المواضيع التي لا يجوز الصلح فيها والمواضيع التي تتعلق بالنظام العام.
كما ان المحكم يجب ان يتمتع بالأهلية الكاملة فلا يصح ان يكون المحكم قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية وإذا كان المحكمون أكثر من واحد فيجب ان يكون عددهم وتراً وهذا الشرط من اجل تأمين الأغلبية في الآراء وهو من متعلقات النظام العام ويجب مراعاته تحت طائلة البطلان ويجب ان يقبل المحكم مهمة التحكيم بالكتابة.
هذه هي الشروط العامة وننتقل عقب ذلك إلى البحث في.
شرط التحكيم ومشارطة التحكيم وما يجب ان يتضمناه من بنود أساسية لصحة صياغتهما بما يتفق مع القواعد الدولية:
شرط التحكيم:Clause Compromiser وهو الشرط الذي يرد كبند في العقد بإحالة المنازعات المستقبلية حول ذلك العقد إلى التحكيم وهذا هو الغالب في الممارسة العملية والعقود الدولية باختلاف أنواعها.
مشارطة التحكيم: Compromise وهي عبارة عن اتفاق تحكيم لاحق على وقوع المنازعة يبرم بشروط خاصة وعقد مستقل ويقوم على تراضي الطرفين.
وقد أعطت قوانين التحكيم الأطراف الحرية في صياغة شرط و مشارطة التحكيم فكان من المستحسن تضمينهما كل ما هو ضروري لتجنب الرجوع للقضاء لأن المبدأ القانون قد نص على ان ما لا ينطق به في العقود يحال بتطبيقه إلى القانون الساري مما ينجم عنه التعقيد وإطالة أمد النزاع، هذا وان القرار الذي سوف يصدره القضاء بخصوص أي خلاف على إجراء معين يكون في أغلب التشريعات قابل للاستئناف كغيره من القرارات القضائية مما يطيل أمد التحكيم ويعرقل إجراءاته فكان واجباً على رجال القانون العمل على صياغة شرط ومشارطة التحكيم بدقة وروية من خلال مراعاة النقاط التالية:
1- عدم الارتكان عند صياغة شرط أو مشارطة التحكيم بشكل كبير إلى العقود النموذجية في هذا المجال لان هناك شروط خاصة بكل حالة وبكل قانون على حدا يجب إضافتها ومراعاتها في الصياغة.
2- مراعاة قواعد النظام العام (وهي مجموعة القواعد والقوانين الأساسية التي تنظم الجماعة من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية) عند صياغة شرط أو مشارطة التحكيم بما لا يخالفها.
3- اختيار القانون الموضوعي والقانون الإجرائي الذي يحكم عملية التحكيم بدقة متناهية من خلال دراسة طبيعة العقد المبرم بين الأطراف والنشاط الذي ينظمه بالشكل الذي يؤدي لاختيار القواعد الأنسب والأسهل والتي تحقق المنفعة المرجوة من اللجوء للتحكيم هذا مع الإشارة إلى انه ليس من الضرورة دائما التمسك بالقانون الوطني ليحكم النزاع خاصة في مجال المطالبة بالتعويضات في عقود نقل التكنولوجيا والأضرار المادية والجسدية وحالات الوفاة وحالات الإخلال بالبيئة حيث لا تزال اغلب التشريعات العربية في بداية تطورها في هذا المجال.
4- يجب ان تكون شروط تعيين المحكمين وجنسيتهم واضحة وصريحة في شرط أو مشارطة التحكيم بالنسبة لمحكمي الطرفين وطرق اختيار الحكم المرجح وبالتالي يمكن تلافي هذا الأمر من خلال تحديد المدة الزمنية الممنوحة لكل طرف لاختيار محكمه وتحديد الجهة التي ستقوم باختيار المحكم المرجح في حال امتنع أو عارض احد الأطراف في اختياره وهنا نكون قد غطينا هذا الجانب القانوني وهذه الثغرة في شرط أو مشارطة التحكيم وبالتالي تلافينا التأخير في تشكيل الهيئة وهي أهم مرحلة من مراحل التحكيم أما إذا كانت العملية التحكمية في مجملها تخضع للنظام المؤسسي فان نظام المؤسسة يحدد طريقة التعيين والإجراءات والمدد وغيرها مع أمكانية الاتفاق على خلافها وفي نواح معينة يحددها الأطراف.
5- مراعاة شروط حالات الوفاة والتنحي في اختيار البديل وتحديد الجهة التي تختاره والاتفاق على الجهة صاحبة الاختصاص في ردّ المحكم, والتي يقدم لها طلب الرد.
6- يجب مراعاة التفاصيل التي تخلق مشاكل في القانون المختار للتحكيم وفقه وتلافي هذه التفاصيل في شرط أو مشارطة التحكيم من خلال مراجعة نص القانون المراد تطبيقه ومثل ذلك - اختيار مكان المحكمة المختصة التي يلجأ إليها المتعاقدون عند الخلاف - أو القانون الذي يتم اختياره وتطبيقه على إجراء معين.
7- يمكن اختيار قوانين إجرائية مختلفة وتطبيقها على كل حالة منفردة من حالات العقد ويرجع هذا الأمر لإرادة الطرفين.
8- يجب ان تكون صيغة شرط التحكيم واضحة فيما يتعلق بموضوع النزاع وفيما يثور من خلافات في تفسير العقد وما يثور من خلافات أثناء تنفيذه وما يترتب على انهائه أو فسخه من تبعات قانونية وفيما إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح أو تخويلهم القضاء وفق قواعد العدل والانصاف.
9- يجب ضبط طريقة الإبلاغ والعلم في شرط التحكيم بشكل دقيق من حيث الاستلام والتسليم والمكان والوسيلة للتبليغ لانه عند اللجوء إلى تنفيذ شرط التحكيم أو المشارطة ينفذ على العنوان والطريقة المبينة فيهما فيتم على سبيل المثال النص على ان يتم التبليغ في مقر العمل أو محل الإقامة المعتاد أو على عنوان البريد المعروف للأطراف المحدد في شرط أو مشارطة التحكيم وحتى عن طريق البريد الالكتروني.
10- تحديد زمن ومدة بداية وانهاء التحكيم بدقة وتحديد مكان اجراء التحكيم.
11- يمكن تحديد الخصومة التي ينطبق علها شرط التحكيم بدقة واختيار البند من العقد أو الجزء المراد التحكيم بشأنه وتطبيق قانون أو أجراء معين عليه دون ان يشمل شرط أو مشارطة التحكيم العقد كله.
12- في حالة احتمال دخول طرف جديد على العقد عقب إبرامه يجب ان نشير في العقد الأساسي عند إبرامه انه فيما انتهى إليه شرط التحكيم يمتد أثره إلى العقود الممتدة والتي تطرأ عقب العقد الأساسي ويستعمل هذا الشرط كثيراً في عقود المقاولات والانشاءات الهندسية ويجب ان يتم تضمين رقم البند الخاص بالتحكيم في العقد الأساسي ضمن العقد الفرعي حتى نتلافى المشاكل وعرقلة عملية التحكيم وفي العقود الفرعية يكون الالتزام بالإحالة الضمنية بالموافقة على بنود العقد الأساسي وبالانضمام لمجموعة العقد ليتماشى العقد الفرعي مع العقد الأساسي فيما يلزم في تنفيذه.
13- تضمين شرط ومشارطة التحكيم اللغة المعتمدة في التحكيم بما يتناسب مع رغبة الأطراف وظروف النزاع ولغة العقد لتجنب استخدام المترجمين أثناء التحكيم مما يزيد في النفقات ويبطئ الإجراءات ويؤدي لحالات سوء فهم المحكمون للخصوم، وإذا لم يختاروا لغة معينة في التحكيم المؤسسي يعود للمحكمين تحديدها بناء على رأي الطرفين وظروف القضية ولا يمنع ذلك من مراجعة الخصوم باللغة التي يريدونها وتقديم وثيقة بلغة أخرى على ان يتم ترجمتها إلى اللغة المعتمدة في التحكيم.
14- منح هيئة التحكيم الحق باتخاذ الإجراءات الوقتية التي تراها ضرورية, بناء على طلب أحد الأطراف أو منعها من اتخاذ تلك الإجراءات أو تحديد الجهة القضائية التي يتم اللجوء اليها لاتخاذ إجراء معين ومثال ذلك, الحجز الاحتياطي على أموال أحد الطرفين الموجودة تحت يده أو تحت يد شخص ثالث, وتعيين حارس لإدارة المال المتنازع عليه, أو اتخاذ قرار ببيعه لأنه قابل للتلف السريع, أو إيداعه في مخزن تتوفر فيه شروط معينة تناسب طبيعته.
من خلال ما بيناه سابقاً يتضح لنا ان شرط ومشارطة التحكيم هما بالواقع اللبنة الأساسية في المشروع الهادف لإنهاء أي خلاف بواسطة التحكيم ومن خلالهما يمكن ان تتسم تلك العملية بالسهولة والسرعة والاقتصاد بالنفقات وصولاً لقرار عادل أو تتعقد نتيجة للارتكان للقضاء في الفصل في كل أمر خلافي لم يتضمن شرط أو مشارطة التحكيم حل له.
الخميس 4 مارس 2021 - 1:37 من طرف ahmedsdream
» تحميل ابحاث قانونية متنوعة
الأربعاء 30 يناير 2019 - 4:28 من طرف جميل0
» حمل موسوعة أحكام المحكمة الإدارية العُليا حصريا
الأربعاء 30 يناير 2019 - 4:24 من طرف جميل0
» موسوعة فتاوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة .. الجزء الاول
الجمعة 11 يناير 2019 - 8:11 من طرف jvmj12
» البرنامج التدريبي نوفمبر – ديسمبر 2017
الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 19:22 من طرف يوسف بختان
» حمل كتاب الشرح الوافى العملى لدعوى رصيد الاجازات
الجمعة 13 يناير 2017 - 1:17 من طرف leaderman
» الوجيز فى القانون الادارى
الخميس 15 ديسمبر 2016 - 15:31 من طرف احمد العزب حجر
» كاميرات مراقبة
الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 18:12 من طرف كاميرات مراقبة
» افضل اسعار كاميرات مراقبة فى مصر
الأربعاء 10 أغسطس 2016 - 18:10 من طرف كاميرات مراقبة